ثقافة المستهلك و البائع و د: طه حسين
العقيد بن دحو
جرت العادة على ان نسمي المستهلك هو كل من يستهلك
المواد الغذائية و وامام ( الحالة) هذه تربط( بافلوفي) يخضع للمنعكس الشرطي !.
ولو أن الكلمة
ثقيلة نوعا ما وتشوبها الشبهة ، إلا أن المستهلك هو من يستهلك جميع المواد
حسب الحاجة و حسب قدراته الشرائية ، هذه (القدرة التي بدورها تطرح عدة اشكالات ولبوسات ولوغوسات قديمة و حديثة.
الا ان عوامل خارجية كالاعلانات و البروبجندا صارت
تضغط على المشتري ان يشتري كل ( شيئ) و كل شيئ لا شيئ !. حتى ان لم يكن في حاجة اليها. وحتى صارت
الظاهرة لدى البعض توصف بالمرضية. يشبع
حاجات تشكل بالتراكم عقدة نفسية او رابط غريزي...!
ليست وحدها المواد الغذائية من يستهلكها الزبون و
انما حتى المناسبات السياحية الدينية و الدنيوية و كذا مختلف الإنتاج الفكري و
الفني و الأدبي، و كل ما يباع و
يشترى ،و يوجد له سوق وراس مال متداول.
ظلت الكلمة كذلك حتى القرن الثامن عشر إلى أن وجد
عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين المعادلة التي تجمع حديها او طرفيها
الزبون من جهة او المشتري او المستهلك و التاجر المنتج.
يقول ،د : طه حسين بعد ان أعطى المسالة معناها
الاقتصادي التجازي الصحيح : يوجد هنا صفقة غير شريفة فنصير الأدب يعطي ذهبا او فضة
ينفقها رجل الأدب كلما حصل عليها ، أما رجل الأدب فيعطي فنه و فكره اللذين لا يمكن
أن يصرفا باي حال من الاحوال . كان هذا بحث قدمه الدكتور طه حسين في مؤتمر
البندقية سنة 1953 للدفاع عن الكاتب و نشر سنة 1954 لدى هيئة اليونسكو.
اذن هي صفقة الاستهلاكية المشبوهة و غير اخلاقية ،
فالتاريخ همه الاول و الاخر ان يروج و يبيع بضاعته و الزبون كالاعمى يشتري تحت
الضغط. و كان بغيرها يهلك لاحظ كلمتي (
الاستهلاك و يهلك) !.
هنا تتدخل الثقافة للتقييم و تقويم الحالة و
تجعلها اكثر انسانية ويجعل من التاجر ان يسمى مستشارا و من الزبون ان يدرك ثقافة
المستهلك.
غير ان دوائر اخرى صارت تشكل الجماعة التجارية
الإقتصادية. أين يكون المستهلك شريكا اجتماعيا فعلا في صلب العملية التجارية
الإقتصادية، اذ لا يكفي القواعد العشرة
الذهبية. انما التوعية و الخروج إلى الميدان تتم فيه جعل المنتج قريبا من الإنسان و لا يتحكم في المنتج .مما ترتفع
الأسعار!
اذن ما الذي
يعطيه المستهلك و ماذا يعطيه التاجر ؟!
و
ليس العلاقة بين الزبور و التاجر يفتح
الله ! وإنما علاقة تشاركية.
الا ان جماعة الضغط هي من تدخل العملية التجارية
بالسياسة ، ويصير كل شيئ مغلفة بابمصلحة و ابنرجسية الإنانية ، و بفن الممكن !.
تتدخل الثقافة
من اجل اخلقة المهنة والوظيفة.
الشعر حرفة كالخبز او كما تقول (سوزا) ، او كما
قال تشكسبير : اعطيني مسرحا و خبزا اعطيكم شعبا عظيما.
او كما ورد بالحضارة الديمقراطية : خبز الفقراء و
ترف الأغنياء.
هذا ولقد جلت و قدست الاغريق الخبز وسمته (ديمتر )
اله الخبز .
كل هذا جعل من الاستهلاك حضارة وتوعية و تعبئة و
سلاح. اذ لا يمكن المرء أن يشتري او يستهلك ليشبع حوعه و انما فضوله ايضا ، فالنفس
ايضا تجوع والروح و الذهن ايضا يجوع !.
فالرمق رمق فكري عاطفي وجداني سياسي
واذا كانت الدولة الحديثة و بما فيها الحكم (كنز)
ترعى المستهلك باسم القدرة الشرائية فمن جتها هي مسؤولة عن رعاية ودعم التاجر من
اجل القدرة التجارية او ما جدوى اسواق داخلية وخارجية لا بائع و لا مشتر فيها !.
اذن لم يعد الاستهلاك لغة واصطلاحا و فيلولوجيا (
فقه اللغة ) استهلاك متوحش من اجل
الاستهلاك صار ، و لا التجارة من الترى الفاحش و انما حضارة و ثقافة ، ما يبقى عندما تخسر وتكاد
التجارة بريقها الاجتماعي. وما يجب أن
يتعلمه المرء بعد ان ينسى كل شيئ.
في الاخير المستهلك و التاجر طرفان متلازمان في
قضية واحدة. كلا هما في حاجة إلى رعاية ودعم وحماية . وتشجيع التاجر على المواصلة
العمل من خلال تخفيض الضرائب و من خلال المرافقة الميدانية، و المراقبة الهادئة المسؤولة.
وعندما يمارس جميع الجماعات هذه الوظيفة نعيد
المهنة و للحرفة نبلها النفقود. وعندها فقط يصير الزبون و المستهلك هو الملك !
بينما نقول للتاجر باللسان الدارج: " انا
نقولك سيدي و انت افهم راسك " !.
" و اللي ما شرا يتنزه " !.