لو كان يدري الاديب انه سلطة ....
العقيد بن دحو
* - " سيدي لقد مضت سبع سنوات ،
منذ انتظرت مقابلتك و طردت من بابك...وها انا اوشك ان انشر كتابي عبر
صعوبات من العبث بلا مساعدة ؛ دون أن اتدمر او ابتسامة محاباة " / ( رسالة
الكاتب صمويل جونسون Samuel
johnson إلى اللورد
تشيسترفيلد Chesterfield - 1755) .
كانت هذه رسالة الكاتب الاديب ( صمويل جونسون) إلى اللورد ( تشيسترفيلد) ،
يلتمس فيها مساعدة لنشر كتابه و رفض و تماطل عليه بيروقراطيا اللورد.
اعتبر المنظرون و المفكرون و النقاد في علم سوسيولوجية الأدب ومنهم (
اسكاربيب روبيرا) ان هذه الرسالة اذانا عن موت الرعاية و التمويل ، و كذا اعتبر
نموذجا هذا التاريخ 1755 بداية عن ظهور وميلاد الاديب.
صحيح ميلاد ووجود الاديب قديم قدم التاريخ و منذ ظهور اول حضارة إنسانية
الإنسان العارف / Homo sapiens . لكن كان لابد من هذا التاريخ ولو رمزيا
لضبط احداثيي تغيرات الكاتب او الاديب او الفنان او المثقف او المفكر على محوري
التراتيب و الفواصل، التطور العمري البيولوجي و السوسيولوجي معا.
لو كان يدري الكاتب الاديب الفنان المفكر بأنه( سلطة) ما وقف يوما عند عتبة
السلطان ، مهما كانت هذه السلطة ، سواء كانت سلطة مادية او معنوية او سياسية او
رابعة او اقتصادية او دينية اعطوه او منعوه.
وكما صار اخيرا (الاديب) رجل أدب، على غرار : رجل دولة أو رجل أعمال او رجل
دين او رجل حرب ، صار بالمقابل الاديب الفنان المثقف المفكر ( سلطة).
لكن القليل من هؤلاء من يشعر بهذه السلطة ، ليست من شدة التواضع، و لكن
جراء عقدة تاريخية دفينة ان بقية السلطات وراءها الدولة ، بينما هو لا يملك الا
قلمه و كلماته ، بل في الغالب كتبهما (...) حتى قبل أن تثبت اذانته !.
لو كان يدري المثقف الاديب الفنان بأنه سلطة ما راح يقتفي اثار جماعة
الضغط.
تعود فكرة السلطة الأدبية، و منها سلطة الاديب إلى سنة 1891 يوم اوردها
(ر.ه كودرنكنسن) في كتابه " الميلانزيون" ومنه اشتقت لفظة (Mana) ، ومنه
جاءت كلمة Manaleisme اي : ايمانا بوجود قوى و سلطة تأثير عليا في
الشيئ او في الشخص الذي يمتلكها .
وكما يجد ( تشيز) في الأسطورة اليونانية الرومانية العالمية أدب و ثقافة و
فن و فكر يلون الطبيعي بغعالية ما هو خارق للطبيعة، يجد بالمقابل (هولواي) في
(المانا/ Mana) فكرة كمصدر للسلطة ، فكرة تؤيدها نتائج العمل.
لم تدوم هذه الفكرة طويلا حتى أقر بها علم الاجتماع الأدبي/ سوسيولوجية
الأدب، و كما صار الاديب الروائي اخيرا فنانا ؛ اذ صار يرى ما يراه الرسام
بالألوان، و النحاث بالحجوم ؛ صار يرى وفق علم الشعور كما هو في علم النفس او
وقائع الانطباعات المعاشة ، صار الاديب سلطة.
لذا نجد في مجرى التاريخ ادباء و فنانين و مثقفين أسندت لهم سلطات سياسية
رفضوها، كونهم هم في حد ذاتهم سلطة ؛ لم
تغير في ودهم قضية. اما الذين قبلوا ان يتولوا مناصب سلطوية داخل سلطتهم الاصلية -
سواء شاءوا ام ابوا- فهي لن تكن الا مجرد نوعا من انواع الدعم و الرعاية ليس الا ،
مهما كان إغراء المنصب و مهما علت بهم المقامات و الرتب!.
لن تكون الا مجرد مهنة ثانية الاقل سوءا ، فعلمنا التاريخ الأدبي : كان
" ارسطوطاليس" مؤدب الإسكندر، وكان " بلين" / Pline موظفا كبيرا
في الامبراطورية الرومانية ، و ( بيكون) / Bacon رجل دولة في
المملكة البريطانية ، و " شاتوبريان" سفيرا لفرنسا ثم وزيرا ، و "
مالارميه" استاذا ، و " جيرودو " دبلوماسيا " ، و "
سيرفانتيس" رجل خرب .
والعديد من تولوا مناصب عليا في العصر الحديث من عرب و عجم، لكنها مناصب
سلطة لا تغدو ان تكون نوعا من انواع الرعاية او الدعم تحفظ ماء وجه الاديب او
الفنان او المثقف او المفكر ان يقف عند باب السلطان ، كما وقف الكاتب صمويل جونسون
و طرد من عند عتبة باب اللورد تشسترفيلد !.
اه ، لو يعلم الاديب او الفنان او المثقف انه سلطة لعاش طيلة عمره مرفوع
الراس حتى ولو كانت به خصاصة ، على ان يقف منتكس الملامح باهتا، شاكيا من عوز
دنيوي زائل !.
ولنا في الاخير عبرة عن حياة
الشاعر الفرنسي فولتير كان صديقا للملك الويس الخامس عشر ، في رحلة استجمامية بيخت
ملكي عرض البحر ، و لما اضطرب البحر سارعا إلى الشط ، فكان فولتير ان قفز اولا !.
فقال الملك متهكما : اتظن حياتك أغلى من حياة الملك !؟
رد فولتير : يوجد كثير من الملوك بهذا العالم لكن لا يوجد الا شاعر واحد !.
لقد أصبح الاديب سلطة ورجل دولة حتى ان لم يتقلد مهام سياسية او حكومية او
دبلوماسية او تشريعية او قضائية . فقد كف عن مجاراة التاريخ و الوضع المدني و
الحكاية ، لكي يحوز على رؤية خاصة تضاهي
رؤية رجل الدولة السفير ، و الوزير و البرلماني.... وغيرها من السلطات المعنوية و
غير المعنوية المعينة منها و المنتخبة.
انت منذ زمن طويل سلطة فلماذا تلعب دائما دور الضعيف او الضحية وضربت عليك المسكنة، و انت ملح هذه الخليقة و
مهندس الروح كما قال ( ستالين).