الشاعر " فولتير" و ملك فرنسا وجدال العصر
العقيد بن دحو
المشهود له ،
ان ملك فرنسا الويس الخامس عشر كان محبا للفن و الادب و الثقافة و الفكر و الجمال
و الحياة . شهد عصره ، عصر التنوير ، ميلاد العديد من المبدعين الروع الرائعين ،
على مختلف مدارسهم و مذاهبهم و تياراتهم الفنية و تصوراتهم الفكرية.
يذكر التاريخ
السوسيو الادبي و السياسي و مذا للسيكولوجي بان الملك كان محبا للشاعر ملك السلام
في حدود انتشار التسامج و الوئام " الفيلسوف المفكر فولتير" Voltaire.
و في رحلة
استجمامية بعرض البحر اختار الملك ان يكون برفقته على متن ظهر اليخت الملكي الشاعر
المحبوب فولتير.
فجاة ، و على
غير المتوقع هبت عاصفة قوية كادت ان تقلب المركب راسا على عقب ؛ و على من فيه. فسارعا الى الشط طالبين الامن و
السلامة و النجاة!.
ولما اوشكا
على بعض الخطى الاخيرة من اليابسة ، سارع الشاعر فولتير ان قفز اولا ؛ دون ان
يراعي او ان يفكر في بروتوكول ملكي ، و عرف دبلوماسي اخلاقي متوارث ، متعاهد عليه اجتماعيا بين الحاكم و المحكوم يوم
ذاك.
و لما ضمنا
لاقدامهما اليابسة و النجاة :
- قال الملك
( متهكما) : اتظن يا فولتير حياتك اثمن واغلى من حياة الملك!؟
- رد فولتير
: عفوك سيدي ! يوجد كثير من الملوك في هذا العالم لكن لا يوجد الا شاعر واحد !
ماذا نستشف و
نستشرف من هذا الحوار القلق على هذا اليخت الملكي القلق ، و على هذا الحال و الوضع
الطارئ الذي اصبح بدوره قلقا !؟
و مادام (
القلق) L'e'quitude صار عنوانا
لهذا العصر المضطرب بدوره على مركب ( التسرع) او الاستعجال على امواج هائجة مائجة
في بحر الزمن ، اغيؤه يونيا العجيد من البواخر العملاقة المحملة بدورها بالثعب و
القلق و تقارير المصائر و هتك العديد من الضمائر .
تطرح قضية
ملك فرنسا انذاك و الشاعر فولتير قضية فلسفية عميقة الجذور. جدلية التقارب بين
المثقف و السلطة.
هل التقارب
ممكنا ، الا يطرح اشكالات و تاويلات جمة اخلاقية بين المثقف و السلطة !؟
الا تجعل
المثقف يراهن و يتنازل على المزيد مما تبقى له من ماء وجه !؟
ربما كان هذا
فيما مضى او البقية المتبقية اولئك اشباه المثقفين ، و انصاف المتعلمين ،
المهزوزين داخليا ، من يعانون بمرض عقدة نقص ما اتجاه انفسهم. يرون شخصيتهم
الثقافية الفنية لن و لم تكتمل الا اذا ارتموا في حضن السلطان !.
هم يبررون
ذلك في قولهم : الم يكن ( ميكيافلي) صاحب كتاب (الامير) ، صاحب النظرية العالمية الشهيرة
: " الغاية تبرر الوسيلة" . يقراه كل رجل سياسي وصل الى السلطة او له
طموح الوصول الى سدة الحكم مثقفا ؟!
الم يكن (
ماكلوهان) صاحب نظرية : " الوسيلة هي ذاتها الغاية " مثقفا !؟
اذن هم اولى
بالحكم انى كان هذا الحكم ، حتى ان كان مجرد موظفا متواضعا في مكتب مدير بالوزارة
، او كاتب دولة او وزير او دبلوماسيا مادامت الغاية تبرر هذا !.
الصحيح
المثقف الحقيقي ، الفنان الحقيقي ، الاديب الحقيقي بعد ان صارت له سلطة ابداعية لم
يعد في حاجة الى سلطان من قمة الهرم الى قاعدته.
بل الدولة
العاقلة اليوم ، ذات الحكم الراشد هي من تسعى جاهدة الى جلب الاديب الفنان المفكر
المثقف الى دواليب ميكانيزماتها ، ليس حبا في كحل او زرق او خضر بؤبؤ عينيه ، انما
لاتقاذ ما يمكن انقاذه ، و ضخ دماء جديدة في ركبها لتقوى الحراك و الدينانيكية من
جديد ، و كيما تحطم استاتيكية الرتابة و الملل و الكلل و الفشل في مرافقها
الادارية.
اما الصحيح
المعتل اننا لا زلنا نرى في عز نعاية التلريخ و اتفحار المعلومات و اعلام المحتوى
، و حضارة الرقم ان الاساليب الاركائكية قائمة في محاولة عبثية (دمغجة) المواطن من
جديد باسم الوطنية تارة ، و باسم القومية تارة اخرى !.
كان حوارا
مهما فارقا بين ملكين ، بين ملك السلام و ملك السلطة السياسية ، نهاية حقبة و
بداية حقبة اخرى. نهاية حاجة المثقف للسلطة ، و بداية حلحلة السلطة النمطية
التقليدية و انفتاحها على الاخر ؛ و لا سيما المثقف الفنان.
من السهولة
اليوم ان تجد رجل دولة ، ملكا او رئيسا ، وزيرا ، او سفيرا ، لكن من الصعوبة بمكان
ان تجد مثقفا فنانا مفكرا مبدعا قادرا على الخلق و الانقاذ و الخلاص.
حقا يا
فولتير ، يا ملك السلام و الحرية و التعايش السلمي ، لا يزال يوجد الكثير من
الملوك في هذا العالم ، لكن لا يوجد الا شاعر واحد !.