أقام نادي البيان يوم السبت محاضرة بعنوان ثقافة الحوار وبناء مجتمع المواطنة وحاضر فيها الدكتور الحارج رباني وحضرها لفيف من أعضاء النادي
ثقافة الحوار وبناء مجتمع المواطنة
هاهو نادي البيان ، التابع لدار الثقافة أبي رأس الناصري بمعسكر ، يستأنف نشاطاته الثقافية للموسم الثقافي( 2018 ، 2019 ) بعد غياب دام أكثر من أربعة أشهر ، ونظم ، بالتنسيق مع الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية وتحت إشراف مديرية الثقافة لولاية معسكر، مساء يوم السبت 29 جوان 2019 ، ابتداء من الساعة السادسة والنصف ، محاضرة تحت عنوان " ثقافة الحوار وبناء مجتمع المواطنة " ، قدمها د. رباني الحاج ،أستاذ الفلسفة بجامعة مصطفى اسطنبولي بمعسكر .
نشط هذا اللقاء ، الذي أقيم بدار الثقافة الجديدة الكائن مقرها بحي 400 مسكن ( السبوعة ) ، الأستاذ سي ناصر عبد الحميد ، الذي رحب بالحضور وقال : انطلاقا من ضرورة مساهمة نادي البيان في نقاش قضايا الوطن ، نقاشا هادئا وهادفا ، خاصة وأن الجزائر تمر بمرحلة مصيرية تبحث فيها عن النهضة والتقدم إذا ما توفر الوعي دعا ، د. رباني الحاج من جامعة معسكر ليحدثنا عن ثقافة الحوار وبناء مجتمع المواطنة. ثم شرع في تقديم سيرته العلمية ، نلخصها بإيجاز كما يلي :
• هو حاصل على شهادة الدكتوراه ، سنة 2012 من جامعة وهران ، ببحث حول " السلطة والقيم الإنسانية ، إشكالية السلطة الفردية المعاصرة " .
• على التأهيل الجامعي سنة 2014.
• له نشاط علمي بدأه سنة 2008 ، بنشره للمقالات العلمية ذات الصلة بالفلسفة وقضايا المختلفة في مجلات متخصصة . كما شارك في عدة ملتقيات علمية داخل وخارج الوطن .
• وله مشركة في كتب جماعية .
بعدها ، أعطى الكلمة للمحاضر الذي حيا الحضور تحية مسائية طيبة والمنشط سي ناصر عبد الحميد ونادي البيان على هذا الحضور الثقافي بمدينة معسكر والاهتمام بشؤون الثقافة والفكر والفلسفة وطرح الإشكالات والقضايا التي تهم المجتمع الجزائري خاصة ونحن في لحظة تاريخية نسترجع فيها جزائريتنا ، يقول د. رباني الحاج، ونتناقش في قضايانا الراهنة في هدوء بعيدا عن السياقات الإدارية ، والصدامية والصراعية . ويجب أن نضع الأمور في نصابها . فهناك ، حياة اجتماعية فيها طموحات ، أحلام وأمال جماهيرية ورؤى وأفكار تنتجها النخبة .ومن واجبنا في هذا اللقاء أن ننساهم ونشارك في هذه الحركة الاجتماعية بالشكل الذي نراه مناسبا وفقا لمتطلبات المسؤولية الاجتماعية والتاريخية . لهذا طرحنا الموضوع للنقاش في هذه الجلسة الحوارية . و لا أقول محاضرة التي هي عبارة عن أفكار جاهزة تلقى على الآخرين .
بعد هذه التوطئة ، دخل المحاضر في صلب الموضوع . وقال بأننا تعودنا على ثقافة :التلقين، الأمر ، الإلقاء والاستقبال . وبالتالي غابت عنا ثقافة الحوار .كما تدربنا على أن ثقافة المتكلم هي الأعلى والأرقى من ثقافة المتلقي ( المخاطب ) ، والتي تنطلق من مركز وأطراف .فصاحب الخطاب ( الكلمة) يعطى مكانة الحاكم الواعي بكل شيء والجماعة التي تتلقى هذا الخطاب هي جماعة أدنى من حيث الأفكار .ولم نستفد من التجربة السقراطية التي تعود إلى ثقافة الحوار التي تنطلق من الذات .فقبل أن يكون الحوار مع الآخرين يجب أن يكون مع الذات ، أي داخلي ،وهذه الخطوة الأولى التي تجعله ممكنا . فأنا إذا كنت غير قادر على محاورة نفسي ، فلا يمكنني محاورة الآخرين , فالحوار هو ذلك الصوت الذي ينبغي أن أسمعه أنا قبل أن يسمعه الآخرون ،يقول د. رباني .ويتابع القول ، إن كثيرا من الأفكار المطروحة الآن في الساحة الجزائرية ، لا يختلف الناس حولها كأفكار وإنما كألفاظ . فمن خلال ألفاظ الشخص نصنفه ضمن تلك الجماعة أو الأخرى. وبالتالي أصبحت الصراعات صراعات خطابية لفظية أكثر منها اختلافات في المفاهيم والمضامين والتصورات. فكان سقراط يصغي لما يقوله الناس في الشارع . ولا ينتقدهم على ألفاظهم ، وإنما كان يدفعهم إلى التفكير وإلى قناعة ذاتية .ولا يقول لهم أنتم مخطئون وإنما يعطيهم الفهم الصحيح للأمور . وأضاف ، علينا أن نطوي هذا الموضوع وننتقل إلى المشاركة في القضايا العامة للمجتمع . وإذا لم نستطع تأسيس ثقافة حوار بناءة ، فتكون المشاركة الفردية إما في الصندوق أو في الطرقات . لذلك فقد أرتبط الحراك بخروج الناس إلى الشارع . فهو إن أرتبط ، في عمقه بالشارع ،فلابد أن يأتي يوما يتوقف فيه . فلا يستطيع أن يستمر طول الزمن. وعليه ، يجب أن يرتبط الحراك بالفكر والثقافة . ولهذا ، أرى ، يقول د, رباني ، أن يؤسس الحراك على ثقافة سياسية مبنية على الوعي ، مما يدفع بالمواطن إلى الاهتمام بالشأن العام . ولا يعود إلى ما كان عليه بمجرد انتهاء الحراك الاجتماعي .فالسلطة المطلقة ،هي سلطة ما قبل الحوار .كان الحكام يعتبرون المواطنين رعايا(Des sujets ) يملكون العقار والأشياء . فاعتناءهم بالشأن العام بالنسبة للحاكم هو مشاركته في السلطة ويعاقبهم على ذلك ، وكأنهم ارتكبوا جريمة أحد أركان التلوث المحرم ، حسب تعبير فاطيمة المرنيسي . فعلى المواطن أن لا يتجاوز مشاريعه الشخصية ولا يقترب من الأشياء الأخرى التي تعتبر من ضمن أسرار الدولة. إن ثقافة الحوار تأتي من الممارسة ، تبدأ من المدرسة إلى الجامعة .
لقد أصبح اليوم ، الحوار ، حوار تصادم أي إصدار أحكام مسبقة على الآخر مثل : تخوينه وتكفيره . فكل من يخالفنا في الطرح أو الفكرة هو فاسد .فأصبح هذا الآخر لا يستمع إلينا . فهو ، من البداية ، إما يستمع إلينا وينتصر لنا دون مناقشة وإما أن يعارضنا على طول و لا يعترف بنا. بينما من مرتكزات الحوار الاعتراف بالآخر .فثقافة اليوم ، هي ثقافة مبنية على الرأي الواحد ،وبالتالي ، فكل من لا يشبهنا في خطابنا ،فهو غير جزائري . فأصبحنا نعيش أزمة حقيقية ، فالجميع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ،يرى ضرورة الحوار ولكن كل واحد يريد أن يصنع حوارا وفق آرائه .فهو يتحاور مع عائلته السياسية ، الدينية ، الفكرية . في حين أن الحوار وجد من أجل حوار الآخر الذي يختلف معه ،ليعطيه فرصة ويستمع لصوته ويضع نفسه في وضعية ذلك الآخر ويفهم كيف يفكر . ربما كان يتحاور مع صور متخيلة .
وهنا تكون القطيعة ، فالسياسة تأسست على ثقافة الحوار ثم انتقلت إلى ثقافة الاعتراف ثم المشاركة . وإذا كان الحوار صراعا يستحيل الانتقال إلى مرحلة العمل . فمن وظيفة الحوار تصحيح المفاهيم والتصورات . قال د. رباني أننا في الجزائر لا نتعامل مع ثقافة الواقع وإنما مع صور موجودة في أذهاننا . وأعطى مثالا عن بعض الأشخاص الذين تقدموا بمبادرات ضمن المرحلة الانتقالية ، فصنفوا بالخيانة ، فأصبح أحدهم ، بين لحظة وأخرى ، خائنا بعدما كان مجاهدا . وكان من المفروض نشر ثقافة الشخص الأصلح . إن ثقافة الحوار تعلمنا التعرف علي بعضنا البعض دون إبداء أحكام مسبقة . والابتعاد عن الصراعات السياسية واعتبار السياسة صراع مصالح وفقا للقوانين أي الصالح العام الذي تؤطره القوانين .
وفي نهاية محاضرته ، ذكر د. رباني ، بأن ثقافة الحوار ، تتطلب منا مراجعة الكثير من قناعتنا الثقافية لأننا تربينا على الرأي الواحد ، الموقف الواحد ، الفكر الواحد والفهم الواحد . فكل واحد منا يعتبر موقفه هو الأصح. فنحن أمام ثقافة الرجل الواحد إقصاء بمبررات مختلفة.
لا يمكننا الانتقال من مجتمع الرأي الواحد إلى مجتمع المواطنة، إلا عن طريق الاعتراف بالآخرين دون تخوينهم وتكفيرهم عندما يختلفون مع أفكارنا ونبتعد عن حوار المحاكمة ، أنت المتهم وأنا القاضي ، وعلينا أن نقنع بعضنا البعض بآرائنا والابتعاد عن التطرف في المواقف . فالمواطنة تقوم على الحريات ، دولة القانون ، والعدالة التي يتساوى فيها الجميع أمام القانون .
بعدها فتح باب المناقشة ، التي كانت ثرية بتدخلات الحاضرين الذين أجمعوا على عدم وجود نخبة مثقفة ماعدا بعض الأسماء من الكتاب الذين لم يتغيروا رغم مرور عدة أنظمة سياسية وهم في صراع فيما بينهم. فإذا مع من تتحاور السلطة ؟ فهذه النخبة تتحرك كأفراد ولا تعكس أفكارها في الجحتمع .فنحن عاجزين عن إنتاج النخبة التي ألغت الأنا والمتفق عليه وأصبحت تحتكم إلى الجمهور .وأن البيئة غير صالحة للحوار ، في ظل نظام شمولي وغياب ثقافة الاختلاف. والمواطنة ليست الانتماء للوطن عبر الوثائق الرسمية وإنما بما نقدمه لهذا الوطن .
ختم هذا اللقاء بأخذ صورة تذكارية جماعية مع د. رباني الحاج .
بقلم الاستاذ عيسى مزوار
***********************
***********************