الكتلة الشعرية في قصيدة النثر..
أحمد الفلاحي الغريب الذي يستدل على وطن بنص
*ليلى عطاء الله
” لا تشي باللّوز
اتركي سرنا للبحر”.
أحمد الفلاحي
تحرّرت قصيدة النثر من التقعيد الإيقاعي وقطعت
أشواطا من اللغة من خلال كسر نظام الجملة العربية بتقديم ما لا يقدم وتأخير مالا
يؤخر. فحققت بذلك رحلة نصّية يقودها الدفق الشعوري الذي يجدّف عبر آليات مختلفة
تستدعي الدرامي والمشهدي السينمائي والبصري وان كان السردي سدى النصّ بامتياز.
إضافة إلى تنوّع الأجناس داخلها وانصهارها في بوتقتها. فما مفهوم الكتلة الشعرية؟
وما دلالة النص الجامع؟
الكتلة الشعريّة
تحدث غرامشي عن الكتلة التاريخية وهي مرحلة
ضرورية لمسار العالم وهي في الواقع تندرج ضمن مفهوم ثقافي لا سياسي إذ ترتبط “بالمثقف
العضوي”عبر تنفيذ إستراتيجية لبناء
الهيمنة الثقافية المضادة للهيمنة الطبقية السائدة.
تفاعل الأجناس
وصار من الجائز مع قصيدة النثر الابنة الشرعية
للحداثة أن نطلق تسمية “الكتلة الشعرية” عليها إذ تتنوّع الأجناس وتتداخل فتبدو
للناظر العابر “أوهن من بيت العنكبوت”.
غير أن البناء السّردي يقيمها آية من آيات الفن
فهي حقا شبكة عنكبوت لكن من حيث متانة الخيوط التي تشد السّدى. إذ يطلق عليها
“الخيط الفولاذي” كما جاء في تعريف ويكيبديا ولعل رحلة في نصوص الشاعر احمد
الفلاحي تجلي ذلك لنصافحه في هذا المقطع من قصيدته ” غيمة من عطش الحرب”.
“سأضع وزري بدلا عن الحرب
واقترف النميمة القزحية
بعيدا عن مطر الإياب
الأوقات
التي اسلكها
كخريف فض يدي تموز
أدعها
للعناكب الموالية للأرز
وأنتعل خوفي بعيدا عن ظل الماء
ثق أنك لو ترتل جمر هزيع الغياب
ستكون في مأمن من أشواك الروح الكسيفة
وتكون أكثر دراية من عرافة اليمّ السّابع”
ينهض المقطع على فعل استشرافي في حكم المستقبل
القريب “سأضع” وينعطف عليه فعل ثان “وأقترف” غير أنّ حركة السّرد تتعطل بحضور
تركيب إسنادي اسمي يقوم على مركب نعتي ” الأوقات التي” ينهض بالوصف ويؤجل الفعل
“أدع” بحكم وظيفته الخبرية. ثم يعود إلى عطف فعل جديد “وأنتقل” ليحدث مرّة أخرى
انزياحا على مستوى الضمائر هذه المرة من المتكلم إلى المخاطب “ثق” في فعل أمر
متبوع بشرط ممكن على صعوبته “لو ترتل” ليغلق المقطع بأفعال الكينونة الاستشرافية
“ستكون” و”تكون”.
هذه اللوحة العنكبوتية أو المتاهة في الظاهر
تنتصب كأبهى ما يكون من خلال التعالق بين الأفعال التي تثري حركة السّرد وتشدّ
خيوط المفردات الفعل الأول منسوب إلى الشاعر الفرد الحاضر بديلا عن الحرب فهي إذ
تحط أوزارها تنهض بأفعال سلبية تقوم على الخراب وعلى الدمار. إلا أنّ الشاعر
يستدعي المعنى الديني ” ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك” يتبعه
بفعل مفارق للمدلول الأخلاقي الديني من خلال اقتراف النميمة. إذ يشرّع لها بصريا
فترتسم ألوان قوس قزح من خلال النعت الذي
يتبعها “النميمة القزحية” إنها
لحظة التجلّي الشعري متبوعة بحال كيف؟ بعيدا عن مطر الإياب. هذه الاستعارات
الحارقة…. فالعودة إلى الوطن البعيد ممهورة بالمطر وحين يستعصي البكاء باقتراف
الرحيل يلجأ الشاعر إلى نميمة ملونة تسنده وهو ينتعل خوفه إنها لحظة مواجهة الذات
لا أحد سواك وعليك أن “ترتل جمر هزيع الغياب” إنها لحظات التهجّد يقترفها الغريب
الوحيد تدفئ كلّ صقيعه ويرتفع عن زمن خريفي غاب عنه تموز معشوق عشتار الذي يأتي
ربيعا وصيفا ويعود إلى عالم الموت خريفا وشتاء. لو استطعت ترتيل الغياب ستكون نبيا
ستنوب الرؤيا عن الرؤية.
هكذا تتآلف الحقول الدلالية المختلفة من دينية و
أسطورية وشعرية واستعارية لتشكّل لوحة
تنطلق من الفعل نطلق عليها “الكتلة الشعرية” وتنتهي بالفعل. الاسم ثابت
والفعل متحول وقصيدة النثر تمضي إلى بيت الحرية لا إلى بيت الطاعة.
التناصية
التفاعل بين الحاضر والغائب
تنهض قصيدة النثر على “تشعير اليومي” وتبنى
التفاصيل بناءا جديدا عبر استدعاء النص الغائب أو مانسميه التناص ويكون النص حينها
كما تقول الناقدة نهلة فيصل الاحمد في كتابها “التفاعل النصي (التناصية النظرية
والمنهج) “الهيئة العامة لقصور الثقافة”- 2010255″ليس تجميعا مبهما للنصوص الأخرى , بل انه بوتقة تصهر
فيها كل الألفاظ وكل الإشعار وكل الخطابات . فهو لا يرتكز على علاقة آلية بل ينتج
مزيجا كيميائيا مع السياق الذي يحتويه” .
التناصيّة اللّفظيّة:
وتتجلى التناصية في نصوص أحمد الفلاحي من خلال
التناصية اللفظيةّ، يقول في نص نشر على
موقع الراي برس بتاريخ 2-4-2017
“وأنت هناك خلف النافذة
تنظرين إلى الأشجار الحافية
في
الشارع الكبير
سأعيد ترتيب الضوء
بما يتناسب مع ظلال عينيك
أقلم أظافر الوقت
وأهمس في أذن الشروق
بأغنية وتبغ
أترك فنجان قهوتك يخبرهم
أنك فضاء وظل
وأنّ طريقك هو طريقي الوحيد
لا تشي باللوز
اتركي سرنا للبحر
وغني لفيروز “أسامينا”
لا يخفي على القارئ حضور محمود درويش عبر
مفرداته إذ هناك عبارات كثيرة غدت عبارات درويشية كما يسمّيها النقّاد .يقول
درويش:
” لم تأت,قلت ولن ..إذا
سأعيد ترتيب المساء
بما يليق بخيبتي وغيابها”
ويحضر زهر اللوز رديفا للبياض والنقاء. يقول
درويش في “كزهر اللوز أو ابعد”
“ما اسم هذا الشيء في شعريّة اللا شيء
شفافة بيضاء
لا وطن ولا منفى هي الكلمات
بل ولع البياض بوصف زهر اللوز”
إنّ الاحتفاء بحضور النص الدرويشي الغائب يزداد
ألقا بأغنية فيروز “أسامينا” هذا اليومي الذي يتلازم مع قهوتنا الصباحية غير أن الشاعر أحمد الفلاحي يظل متفرّدا هو صوت
ذاته التي تتشظى عبر المكان لكنها تترسخ في الاسم انه اليمنيّ المرّ الذي يشرب
القهوة بنكهة الملح عبر استدعاء البحر. ذاك الذي يفصله عن الوطن:
” اتركي سرّنا للبحر
وغني لفيروز“
“أسامينا”
النص السابق
التناصّية الأجناسيّة:
وتترسّخ “الكتلة الشعرية” من خلال التناصّية
الاجناسيّة عبر استدعاء الصوفية, الغزل الدين الإسلامي المسيحي. فلننصت إلى الشاعر
في هذا النص من ديوانه “ثلاث مرات قبل الأكل “
مقايضة
” أنت تذهبين محمّلة بالورد لكل الأزقة
ترسمين على الجدران نقوش براقش الأولى
وأنا أتابع الضوء العابر من مخيلة العدم
أنت ترقصين مع غيم الأحاجي
تزرعين أشجار الصنوبر وأركانة الأمنيات
وأنا أصلي لتنمو
لكن بالمقابل أرتق زاوية الفيض بمقام التمكين
ولأكن أكثر صوفية من الماء
أدعك تحجين حجة الوداع
تطوفين حول البيت
شريطة أن لا ترمي الجمرات
لندع الشيطان في حاله
نرشوه ليكون ثالثنا
اللون الثاقب في الغيم وصل وتجلّى
الله الكائن قبل الكون وقبل الماء وبعد النبضة
يجعلنا
أكثر صمتا “
أوردنا هذا المقطع على طوله لأنه يمثل في
تقديرنا نموذجا لقصيدة النثر من حيث الكثافة السردية التي تحقق ما نطلق عليه
“الكتلة النثرية” لا مجال للتوقف ينهمر علينا النص ونلقاه بفرح الطفولة والدهشة
الأولى للمطر وهو إلى ذلك مقطع نموذجي للتناصية الأجناسيّة إذ ينفتح عبر مشهدية
المدينة الغربية “بائعة الورد” لكن هذه الجميلة توغل في الذهاب عبر الأزقة فيحضر
الرسم عبر الجدران ومن خلال نقطة الضوء الوحيدة التي تهيها هذه الأنثى تجتاح النص
روحانية شفيفة عبر الصلاة
“تزرعين أشجار الصنوبر وأركانه الأمنيات
وأنا أصلّي لتنمو”.
وتتدرج هذه الروحانية عبر مراتب الاشراقات
الصوفية، فيفيض النص ويغدو معمّدا بالماء. لعلّه الرّوح القدس ولعلّها العذراء إذ
تهز النخيل. هي فسحة الرّوح وحجّ الوداع,حيث لا إمكان لما كان مرة ثانية. إنه
الذهاب إلى حيث لا تنزل الأرض أبدا. غير أنّ الشاعر يراوغنا على طريقة شعراء
النثر. إذ يشترط أن لا ترمي الجمرات
“ولأكن أكثر صوفية من الماء
أدعك تحجين حجة الوداع
تطوفين حول البيت
شريطة أن لا ترمي الجمرات
لندع الشيطان في حاله
نرشوه ليكون ثالثنا”
أهي الأرض البعيدة الممهورة بعشق يائس، أم هي
القصيدة التي يحترق الشاعر في بخورها ويتلذذ غواية شيطان الشعر؟؟
ينتهي المقطع بما يشبه ترتيل أسجاع الكهان في
الجاهلية ” الله/ الماء/النبضة” هي الدفقة الشعورية تنثال تنتشي الرّوح ونصمت أمام
جلالة اللحظة، إنها الدهشة الأولى.
“الكون الثاقب في الغيم وصل وتجلّى
الله الكائن قبل الكون وقبل الماء وبعد النبضة
يجعلنا أكثر صمتا”
من خلال هذا الجمع العجيب يتجلّى الشاعر أحمد
الفلاحي مفردا بصيغة الجمع إنه حضارة تتجمّع في الأسطر. تتيح لقصيدة النثر أن تكون
نصّا جامعا.لكنّه متفرّد به لا شي يشبهه
سواه. لا مقايضة ولا بديل عنه غيره.
ينتهي النص بـ:
” هناك أرحل
هنا
أرحل
غصن رحيل وليل عويل
أقايضني بي
وأثمل
وأنت انتعلي الفجر
وصلّي معي”
من ديوان “ثلاث مرات قبل الأكل”
يرحّل الشاعر “هناك إلى هنا”. يتوحّد بها رغم
الغياب ولا يقايض. إنها صلاة الفجر بوابة الأمل فإلى أين ؟
الوطن نستدلّ عليه بنصّ:
الشّاعر الفاعل رغم الغياب:
حين تكون داخل وطن يأويك وتحمل بين ضلوعك وطنا
تأويه فأنت الفاعل رغم الغياب من بوابة الفجر يستشرف الشاعر أحمد الفلاحي البحر
عبر إيقاع تركيبي ينهض على ترديد فعل الأمر على وجه الالتماس “خذ” و”اترك” يبني
عالما موجودا يتخلى عنه وآخر منشودا يودّ أن يكون.
“خذ وجهي أيها البحر
واترك حقيبتي
الحقيبة بيضاء
لكنها وطني الآن
خذ قدمي أيها النهر
واترك حذائي
الحذاء أسود
لكنه رفيقي “
الوجه واجهة يراها العابرون يتثبت منه حرّاس
السّواحل لكنّ ملامحه تغيب حين نرحل، لا أحد يتعرّف علينا في المدن الغريبة فما
الحاجة إليه إذن؟ الحقيبة البيضاء أهم منه ففيها لاشي و كل شي إنها وطن الغريب
والقدم ترسم الخطى على الأرض,فإن ضاعت الأرض تصبح عديمة الجدوى لذلك يتخلى عنها
الشاعر في مقابل الاحتفاظ بالحذاء لعل سواده بعض تراب الوطن
عبر الأبيض والأسود يحاول الشاعر الحياد. تغيب
عنه الألوان ويفقد شيئا فشيئا حواسه، اللمس، البصر تغدو وسائل غير صالحة
للحياة.يستعيض عنها بآثارها “القبلة” اللوحة التي لا تموت والدمعة الكروية التي
تتشكل أرضا من الصفاء
“خذ شفتي أيها الشوك
واترك قبلتي
القبلة لوحة لا تموت
خذ عيني أيها الضوء
واترك دمعتي
الدمعة
شكل الأرض
وملوحة الأوطان”
ما أعذب هذا الوطن المرّ المالح إذ يغدو دمعة
عالقة وقبلة منسية ذات شوك
يتجرّد الشاعر من كلّه الذي لا حاجة له به وهو
بعيد عن هناك ويتوسّل بقاء القلب، نافورة الأحلام، أليس القلب هو في الواقع كلّ
الكلّ؟ إنه الكبير الذي يضيق بكل مادي زائل ولا يتسع إلا للشوق وحده الباقي الوحيد
حين لا أحد
“خذني كاملا أيّها الشّوق
واترك لي قلبي
قلبي الكبير جدّا
لكنّه
لا يتّسع إلاّ لك.”
ماذا يفعل بالشوق؟ إنه يرسم.
يؤسّس لأرض فيه لا تموت. يكفيه حرف وجدار
” بأكثر من حرف
بأكثر من حرف
أزاوج بين العناكب
أرسم خدرين
لفأر المدينة
ولأنثى الشفق”
وحدها قصيدة النثر تجمع مالايجمّع “زواج
العناكب” “فأر المدينة” “أنثى الشفق” يتسلل الحرف عبر الشوارع الخلفية يؤسّس ماهو
غير ممكن حسب التعاليم والقواعد ولكنه إمكان الممكن لدى الشاعر,هي سلطة النص التي
تتجاوز حدود الجغرافيا.
“لا أتركني أخطط الجدران
بالفحم المتناثر من الجثث
العالم أسود أكثر مما يجب
فلماذا ألطخ الجدران بحزن آخر
وبقليل
من الأمل
سأرسم طفلة على حائطكم
وأترككم تلبسونها السواد
بأكثر من حرف”
تلك مهمة الشاعر الذي يتجاوز حدود قصيدة النثر
كما نظّرت لها “سوزان برنار” والتي اشترطت “المجّانية” أي أن لا يكون الشاعر قاصدا
من نصه سوى ذاته، لكن الواقع تغير وقصيدة النثر سبقت النقاد أشواطا.
إذ أن الرسم على الجدران مثّل ظاهرة حديثة
ارتبطت كما يقول “شريف رزق” بالموقف الشعبي “تعد ظاهرة الكتابة على الجدران من
الظواهر اللافتة للتعبير عن الموقف الشعبي من المجتمع والسياسة,وتعكس ثقافة الشارع
وقناعاته,حيث الجغرافيا تتضمن تاريخا”.دراسة عن قصيدة النثر.
_ يرفض الشاعر تلطيخ الجدران بالسواد ويختار
بديلا عن ذلك رسم طفلة. أليست الطفلة هي القصيدة؟ أليس السواد هو الحبر؟ والقصيدة
الطفلة وحدها تشقّ جيب الظلام لتعلن أنّها لا تهزم أبدا.
بكى صاحبي الأصدقاء والوطن:
على خطى جده “امرؤالقيس” يرحل أحمد الفلاحي
وكأنّ الرّحيل قدر عربي بامتياز
“بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه
وأيقن أنّا لاحقان
بقيصرا
فقلت لا تبك عينك إنما
نحاول ملكا أو نموت
فنعذرا”
إنه العبور إلى الضفة الأخرى يقول الفلاحي في
نصّ “الأصدقاء”
” الأصدقاء وهم يرحلون إلى الضفة الأخرى
يتركون
البحر كعادته
فالبحر لا يأبه للعابرين
………………………….
كل العابرين إلى هناك
النازفين بخيالاتهم
المجروحين بالضوء
يبكون قليلا
ثم يستعيدون الرحيل
لا وثوب أكثر من صمت الليل
ولا نزيف أكبر من جرح الوطن”
إنه المشهد الصادم كيف العبور والى أين ؟,إن
عبرت البحر فكيف تعبر جرحك؟ إنّه رديفك وعلقك فمن أين البلسم؟ إنه مضاعفة لحياة
عابرة ولموت آخر رغم كل هذه القساوة فان الشاعر يحاول ملكا هذه المرّة على
الصفحات.
فالقصيدة لا تموت وهي الباقية حين كلّ عبور أو
رحيل يتسلّح بأمل الكتابة يحدوه شوق لا ينطفئ يقول في قصيدة “الحطابون”
“لم اعد أرتجف
حين يمطرني السفر
ولا حين تسرج في دمي قرنقلة الشوق
أصبحتُ
أشم الخبيئة على مسافة عام
يأتي الزيف
على حبات كرز”
إنّه الوعد الذي يتأسّس عبر الاستشراف فينتصر
الشاعر على غربته وعلى وحدته. لا ندم ولا بكاء إنّه مشروع حياة.
“لست نادما على كل شغفي
بالضوء
بالبحر
أعرف كيف أجتّز حشاشة شغفي
لحظئذ
أحتاج فقط لقبلة إضافية”
لكنّنا نحتاج إلى فسحة أوسع لنظل مع هذا الشاعر
الذي مثل نصّه نموذجا متقدما “للكتلة الشعرية” معنى ودلالة والذي أكد أنّ قصيدة
النثر ليست لونا هجينا كما يزعم معارضوها ولا هي مقطوعة من شجرة كما يدّعي بعض
مناصريها ممن يكتفون بالتخندق خلف البيانات. إنما هي ابنة شرعية للنصّ الشّعري
بشعرها الطويل حتى الينابيع.
“سأثقب أذن الصبح
وأنتعل الوله
ولن أرتّل حزني”
من ديوان “ثلاث مرات قبل الأكل”
أجل مادام الشعر على قيد نبض, لن نرتّل أحزاننا.
سنزرع حقولا من الكرز وسنسيّجها بألوان قوس قزح.
نختم بهذا النص للفلاحي
غريب
هذا الغريب
لم يزل وحيدا
يؤرقه الضوء
ويبكي عند أول قطرة مطر.
هذا الوحيد
لم يزل غريبا
يحزنه البعد
ويضحك عند أول دمعة.
هذا الفريد
لم يزل عاشقا
يقتله الشوق
ويموت عند أول قبلة
*شاعرة وباحثة
تونسية