صورة تَحمِلُ عبق الوطن
بقلم علي بدوان ... عضو اتحاد الكتاب العرب
تحمل نسيم فلسطين وأريجها المنثور من بلاد الشام
وقبلتها فلسطين الى أرض العرب، المرحوم عمي عبد الكريم بدوان (أبو برهان)، وابنته
هيام من مواليد مدينة حيفا قبل النكبة. عمي عبد الكريم مواليد الوطن الفلسطيني،
عاش طفولته وفتوته وشبابه في فلسطين متنقلاً في عمله مابين مدينة حيفا، ومدينة
طولكرم في لواء نابلس وعموم قضائها (بلدة عتيل، وبلدة شويكة بلدة جدتي والدته...)،
حيث منزل العائلة الكبير في مدينة حيفا في شارع الناصرة، وحيث العمل في سكة
الحديد، سكة الخط الحديدي الحجازي الذي كان يربط عموم بلاد الشام مع بعضها البعض،
وصولاً الى أرض الحجاز، والى العريش المصرية في فرعه الثاني عبر خط درعا ــــ سمخ
ــــ يافا... فتفرعات الخط الحديدي الحجازي كانت هي الأوسع والأكثر في فلسطين،
بحكم قيام عرباتها بنقل البضائع والمستوردات عبر البحار من مينائي يافا وحيفا الى
سوريا الحالية والى أرض الحجاز، وبحكم وجود مصفاة النفط (الفينري) الموصولة بخط
التابلاين التابع لشركة أرامكو، وهي أول مصفاةِ نفطٍ أقيمت في بلاد الشام، وكانت
تزوّد كل تلك البلاد بمنتوجات النفط المُكرر حتى العام 1948، قبل اعتماد تلك
البلاد على النفط العراقي.
زوجة عمي (أبو برهان)، دمشقية، من حي الميدان
(زقاق البصل) (شريفة شفيق حوارنة) رحمها الله، وقد تزوجها عمي في حيفا أواخر
ثلاثينيات القرن الماضي، وانجب منها ابنته هيام في الصورة (أطال الله بعمرها، وقد
باتت أعداد أحفادها تزداد اليوم عن اليوم الذي سبقه) حيث كانت تقيم عائلة والدتها
في فلسطين، في حيفا، حيفا التي كانت تَغُصُ بأبناء دمشق وعموم الجنوب السوري. وفي
هذا الجانب تُشير المعطيات الموثّقة أن سكان حيفا قبل النكبة كان نحو 150 الف مواطن،
منهم seventy five الف مواطن فلسطيني والنصف الثاني من لبنان
ومن دمشق وجنوب سوريا الحالية. حيث عمل الدمشقيون منذ اواخر القرن التاسع عشر على
بناء سوق الشوام والسوق الأبيض في حيفا، وكانا من الأسواق الشهيرة في حيفا التي
تبيع المنتوجات الدمشقية المختلفة من الثياب والألبسة والقماش الى الفاكهة المجففة
الى الحلويات ...الخ.
الصورة إياها ستكون من موجود المتحف الوثائقي
الفلسطيني الجديد النشأة، هي صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود حيادية جداً كما قال
الكثيرين ممن سبقني، فهي تعطي الواقع، الواقع في فلسطين قبل النكبة، إذ لا مزاج
ولا انزياح إيديولوجي لها، وليست منحازة لفكرة على حساب الفكرة الأخرى، فمهما كان
المصور محترفاً لا يُمكنه أن يخفي تفاصيل تحيط باللقطة الأساسية التي يستهدفها،
حيث لم تكن تقنيات تحرير الصور موجودة في ذلك الوقت مثل اليوم، إذ لا مزاج ولا
انزياح.