جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك

 

الزوجة الصّماء

من الأدب الساخر: نبيل عودة


حيرتني زوجتي.. سمعُها بات ثقيلاً.. لم تعد تفهمني، وتثرثر كلمات لا معنى لها.

أقول لها ان كلامك غير معقول.. ما تقولينه ليس صحيحاً. ولكنها تعيد نفس الجمل بصوت مرتفع ظناً منها أن رفع صوتها سيجعلني أقتنع أخيراً بما تقوله. وللأسف عصبيتها تزداد حتى بات الحديث معها مستحيلاً.

راقبتها أثناء عملها المنزلي. بالتأكيد لديها مشكلة عويصة.. أتحدث اليها ولا تسمعني، هل يكون السببَ مشكلةٌ في سمعها، ام أنها ترفض الحديث معي؟

قلت لها اننا يجب ان نذهب الى طبيب مختص لفحص سمعها. غضبت مني وثرثرت كلاماً لا رابط بين جمله. فهمت منه ومن إشاراتها انها تتهمني بأنني أريد أن أجعلها مريضة بالقوة، وأنني أنا مريض في رأسي.. وقد عافت نفسها من تصرفاتي.

سامحها الله. صرت أقل من الكلام معها حتى لا أربكها.. ولكنها كلما مرّت بي تثرثر بدون صوت، أنظر اليها وأقول: "سامحك الله" وهذا يغضبها لسبب لا أدريه. ومرة لم أعد أصبر. قلت:

-         اذا كان لديك شيء ضدي قوليه لأسمعه.

فانفجرت بالضحك.

-         لم أقل شيئا مضحاً؟

-         ....

-         قولي بصوت مرتفع وواضح لأسمعك جيداً.

-         ....

فأعطتني ظهرها مفضلة الصمت.

شاورت أولادي حول حالة أمهم.. فضحكوا بشدة. سألت: "ما الداعي للضحك؟" ابني الصغير كان أوقحهم. قال بصوت قوي جداً مقرباً فمه من أذني:

-         المشكلة لديك يا أبي.

-         كدت تطرشني. لا تفعل هذا مرة أخرى.

قال الابن البكر:

-         سنذهب لزيارة الطبيب.. سأحجز لك دوراً عنده.

-         احجز لأمك هي التي لا تسمع.

-         حسناً.. أمي ترفض.. سنشاور الطبيب عن طريقة لعلاجها. انت ستشرح له المشكلة.

-         فكرة جيدة

في اليوم الموعود جاء ابني لمرافقتي. عبثاً حاولت إقناع زوجتي لمرافقتنا. ألحّت، فصرخت بأذني:

-         الله يساعدني عليك.

-         انت حرة.. نريد ان نساعدك ولا تريدين ان تساعدي نفسك.

خرجت من المنزل مع ابني البكر الذي لم يتوقف عن الضحك، ربما بسبب عناد أمه ورفضها العلاج.

استقبلنا الطبيب مبتسماً. شرح له ابني مشكلة أمه. ولكنه قرر فحصي. لا أعرف كيف سيساعد فحص الزوج في علاج الزوجة؟

أدخلني غرفة زجاج مغلقة، بعد ان أفهمني ابني بأن أرفع إصبعي كلما سمعت صوتاً. وهذا ما فعلته.

عندما انتهى فحصي سألت الطبيب:

-         كيف سيساعد هذا الفحص زوجتي؟

ضحك وقال بصوت واضح:

-         سيساعدنا على تحديد المشكلة.. ولكن انت أيضاً لديك مشكلة في السمع.

-         ربما.. ولكن المشكلة الصعبة لدى زوجتي.. نادراً ما تسمعني!!

نظر الطبيب مبتسماً الى ابني، وشاوره قليلاً، ثم قال لي بصوت واضح:

-         انت ستساعدنا على علاج زوجتك، بما انها ترفض المجيء للفحص، سنوكلك باجراء فحص لها.

-         حسنا... كيف أفعل ذلك؟

-         عندما تكون منشغلة قف خلفها على بعد 6 أمتار. واسألها:" ماذا تفعلين؟". ثم اقتربْ لمسافة أربعة أمتار واسألْ نفس السؤال.. واذا لم تسمعك اقترب لمسافة متر واحد واسألها نفس السؤال وانتبه.. لا تغير قوة صوتك في الثلاث مرات.. ولنرَ النتيجة..

-         فكرة جيدة..

في اليوم التالي كانت تحضّر صينية بطاطا بالدجاج، ومشغولة بإعداد الفطائر لأن أحفادنا سيحْضرون للغداء عندنا.

وقفت على بعد ستة أمتار وسألتها:

-         ماذا تفعلين؟

لم تسمعني. اقتربت لمسافة أربعة أمتار وسألتها:

-         ماذا تفعلين؟

لم تسمعني. اقتربت لمسافة متر وراء ظهرها، وسألتها:

-         ماذا تفعلين؟

التفتت إليّ غاضبةً جداً.. وقد كاد الشرر يطير من عينيها، وصرخت بوجهي بقوة:

-         للمرة الثالثة أقول لك صينية بطاطا بالدجاج.

انسحبت بهدوء..

 غداً سأخبر الطبيب بنتيجة الفحص!!

nabiloudeh@gmail.com

  الزوجة الصماء - توضيح

فكرة القصة تنطلق من مبدأ فلسفي يعتمد الاحساس ضمن نظرية المعرفة، اي ان المعرفة تنطلق من الاحساس الشخصي الموجود كله في فكرنا وان معلوماتنا الوحيدة عن عالمنا هي التي تصلنا عبر حواسنا. أهم فيلسوف لنظرية الاحساس (او فلسفة الاحساس) كان جورج براكلي الذي عاش في القرن الثامن عشر، وكان مطرانا مسيحيا أيضا.

 اكتب هذا التوضيح لأن البعض ظن اني اروي طرائف بينما قصصي تتناول جوانب الفلسفة بمختلف مدارسها، عبر تخفيف النص الفكري الفلسفي بطرفة مطابقة للفكرة الفلسفية، وهي طريقة كان يتبعها استاذي  للفلسفة (1968 – 1970) ومن وقتها صرت اصنف الطرائف حسب مضمونها الفلسفي، وتبين لي مؤخرا ان اساتذة فلسفة من مختلف انحاء العالم يتبعون اسلوبا مشابها في تسهيل تفسير النظرية..

الوصول الى صياغة قصص فلسفية لم يكن ميسرا، بل خضت تجربة طويلة جدا حتى وصلت الى الصيغة السردية المناسبة..

طبعا هذه القصة تسخر من هذا المبدأ (فلسفة الاحساس كقاعدة علمية).. القصة تبين عقم الاعتماد على منطق  الإحساس لأن الواقع يختلف عما يحس به الزوج من صمم زوجته. طبعا لا انفي نهائيا دور الإحساس لكن الخطأ ان نجعله القاعدة الوحيدة لحكمنا على الظواهر!!


***********************


***********************

الوسوم:

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *