تبدأ حواسنا بالتيقظ عندما نصطدم بفكرة
سولين أباظة
:
ملاحظة تكون الأشياء مثلا، نمو أجسادنا، توارد أفكار مع آخرين، تشكيل
وعيناحين تضعنا الحياة على مفترق طرقاتها، بالنسبة لي كانت تلك الحواس بضعة أشخاص
حولوني إلى ما أنا عليه.
لم أكن أعرف ماذا علي أن أحب في الحياة إلا حين رأيت أمي وهي تقرأ، كانت
خياراتها محدودة لأنها كانت شديدة الإنشغال بنا، لكنها دون أن تدري زرعت بذرة في
روحي مازالت تنمو.
لم أكن نموذج الفتاة المثالية التي تحبها المعلمة في الصف، فكنت أشرد خلف
قصص قرأتها، أجازف في حمايتها، وأحبها بقدر حبي للحظات التي أتكور فيها تحت غطائي
وأنسى ما يمكن أن يسميه الآخرون ( العالم).
أول كتاب قرأته كان ( مرتفعات وزرنج) لإيميلي برونتي لا يمكنني أن أنساه،
شعرت آنذاك أنني أتعاطف مع هيثكليف الشرس، المنطوي على ذاته، الذي يضرب بأهواء
قلبه أدراج الرياح، شعرت أنني أكبر معه، وأتألم لحظه العاثر في الحياة، ثم اكتشفت
فيما بعد كلما تقدمت في العمر، أن روائع الكتب لا تتوقف عند ايميلي برونتي، اكتشفت
( ماركيز) و( سيوران) و( ألبير كامو)، كنت أشعر أني أنتقل من مكان إلى آخر وأنا
جالسة في غرفتي، دون عناء الطرقات، ولا خطوات الحقائب المتعثرة، ولا حزن الفراق
على أحد، وبدا لي أن الحياة ( لطيفة) مع هذا الكم الهائل من الشخصيات التي سأحبها
فيما بعد.
ليتني امرأة عادية، تقذف أحزانها من النافذة دون أن يرف لها جفن، ودون أن
تقلق على مصير شخصياتها التي تكتبها، امرأة تغير مزاجها كما تغير أثوابها، امرأة
لا تحزن عندما يقول لها شخص ما : ( أنت توقظين أحزاني، وترشقين حجارة غضبك علينا،
بمجرد أنك تكتبين، كفي عن إثارة خوفنا).
قال النوم للأرق :
تعال نقتسم.
لك الذين يهتمون ببياض وسائدهم
ولي الذين يهتمون ببياض قلوبهم
ومن يومها نام أناس وارق آخرون
فإاذا أرقت تفقدت قلبي
( أدهم شرقاوي)
ما أجمل أن أكون أنا، وإن كانت الكتابة تقسمني إلى نصفين، نصف حزين ونصف
حائر، لا أجد نفسي في امرأة أخرى، أعتدت على نفسي بعيوبها، لأن الحسنات لا تظهر
كاملة.
الحياة جميلة، نصفها على الأقل.
الكتابة أجمل بكاملها.
..
سولين أباظة
