احذروا جهونة وعنصرية الفن و الأدب و الثقافة
العقيد بن دحو
يبدأ الفن و الأدب و الفكر عموما موهبة و ابداعا و ينتهي نابغة . لم يعد
يكتفي التعبير و الحوار عن طريق الحلم و الكلمة و انما بالصور الفلسفية.
الا ان الخطر الذي بات يهدد الفنون اجمالا هو الانزلاق الجغرافي الفني
الأدبي، ان تنزلق بيسر نحو الاقليمية ، و من الاقليمية نحو العنصرية.
قد تستغل بعض الانفس المريضة المحسوبة ( الشبيهة) ، المحسوبة عن قطاع الفن
و الأدب و الفكر الظرف الحالي التي تمر به البلاد و العباد ، و ان تعود إلى(
اللاوعي) الدفينة في أغوار اعماق تلافيف الذاكرة ، لتستخرج و تسترد ورقة ( الحق
التاريخي) و المجال الحيوي الفردي و الجمعي.
الخطر هو اذن عندما تحاول بسذاجة البداية ، و عن حسن نوايا ، ان تستغل تلك
السانحة التي تسمح بها الوصايا الثقافية الاجراء بها .
تلك ( المهرجانات) التي تعقد باسم الجهة ( كادب الجنوب او (كمسرح الجنوب)
!.
او كتلك التي تعقد باسم الجغرافية (كمسرح الصحراء) او اي فن من الفنون
الزمكانية الصحراوية !.
الخطر الذي يجابهه الفن و الثقافة بصفة عامة هذه المسميات ( العنصرية)
، العرقية أين يصير للقيم كتلة و مساحة و
حجما ولونا !.
اين يصير الانزياح و الانحياز و الانزلاق إلى (اللون) . اكثر منه إلى الفن
، إلى الشكل اكثر من المضمون ، إلى القشور اكثر من اللب ، إلى الكلمات الجوفاء
الخرقاء الرعناء اكثر مما تحويله من أساطير و افكار ، من فلكلور إلى فن اصيل !.
الانحياز إلى الأشخاص(...) المحددين بالمكان و الزمان و الحدث ، اكثر ما
يحتويه الحدث من اثر و ما بعد الحدث.
الانحياز إلى تلك التكريمات المريضة و الجوائز الفقيرة التي لا تزيد متوجها
الا مرضا و فقرا ، لكن النجاح الحقيقي في الفشل ؛
هو تحقيق نظرية العلامة بن خلدون : " المغلوب مولع بتقليد الغالب
" !.
انهم كالمستغيث بالرمضاء ( شدة
الجوع و العطش) عن الهجير !.
او فاقد الشيئ لايعطيه !.
بمعنى ماذا اعطي هذا الأدب الجهوي و هذا المسرح الجغرافي الذي انزاح
وانطلق- بكيفية او باخرى - نحو العنصرية إلى الجغرافية او الجهة او إلى أشياء
اخرى.. .... ؟!
سوى المزيد من التفكك ، التفتت ، الاغتراب ، العدمية ، الهروب من المجتمع ،
و اللجوء إلى الخرافة و الاساطير !.
لابد من تصحيح ما يمكن تصحيحه ، واعادة مياه النهر إلى مجاريها الطبيعية ،
و إعادة القطار إلى سكته الحديدية ، و إعادة التاريخ الى مجرى الزمن ، و إعادة
الفلسفة إلى فن الشعر ، و إعادة الشعر إلى المسرح ، و إعادة المسرح إلى الدولة ،
من ايدي المراهقة الفنية المتاخرة المحسوبين على ( الجهونة) او (التعنصير) بكل ما تعنيه الكلمتين من شفرات
خطيرة ينبغي فك طلاسمها و الغازها بكل روية و شجاعة و تعقل.
لا بد من إعادة(اللون) إلى حالته الطبيعية و خصائصه الفيزيائية و
الكيميائية و ان نسمي الاسماء على مسميات ( قرص نيوتن) ،كل تحليل و كل تركيب لأصل
كل ضوء !
اما إذا ظل الحال على ما هو عليه فان النجاح المنشود ليس غدا ، بل
أخشى أن يصير مقصود ، و تستنسر أشباه المثقفين وهؤلاء الذين لقبوا أنفسهم(
المحافطين) في تركة الرجل المريض ، حسب ما يتخيلونه من تفكير ( كولونيالي) داخلي
ينمو ببطء ؛ لكنه يتقدم نحو الشاطئ.... !.
علينا أن نكون حذرين من أولئك الذين يحملون خلفيات و مرجعيات تقليدية
مستترة ، عقدة تاريخية ، يسمونه الحق التاريخي ! و لا يهم الوسيلة في هذا الاتجاه
مادامت الغاية و الهدف و المقاربة ليست بالضرورة اليوم او غدا.... مادام الفن
عموما و الأدب و الفكر يكتب و يجسد و يفعل من ذاكرة المستقبل.
احذروا من المسرح مثلا لا الحصر : لم يعد لهوا و لا ترفا ، يبدو انه بدا
حياته هكذا....لكن التقدم الثقافي و الحضاري ، جعله ثقافة و حضارة ، اما اليوم فهو
توعية، تعبئة، و سلاح . او كما قال (يونسكو يوجين) .
يجب انتزاع هذا (السلاح) من ايدي هؤلاء الحمقى ، الاقل سنا من سن الرشد
الخلاق المبدع ، منتفخي الاوداج و تضخم الغدد الدرقية ، المحافظين الجدد ، الذين
حافظوا على الجهوية و العنصرية باسم الفن و الأدب و الفكر و الثقافة ، إلا أن
يحافظوا على ترسيخ الفكر القومي و الوطني للامة الجزائرية.
وعندما يتخلى الكبار ، العقلاء او يبعدون عن قصد أو من غير قصد فلا تلومن
أحدا.... اذا ما هزوا الاكتاف و الارداف ، و اذا ما شاركوا اللئام جفنات ثقافة
الزردة و الهردة، وحوالوت كل ما تحت ايديهم إلى عطالة وزراية ، والى شيئ تافه لا
يقاس عليه ، و لت يصنع امل النموذج او الامثولة بالحاضر و يستشرف المستقبل.
صعب أن تغير من تطبع شخص ما ، إذا
كان يغذي طبعه من مرجعيات و خلفيات حاقدة ، لا تستحي متى فاض الجو للحمامة و
لليمامة بيضا وفراخا !.
يبقى ان نقول اخيرا : نعرف جيدا تلك ( المدخلات) البالية التي تغذي هؤلاء
البائسة باسم الجهونة او العنصرة ، المصاصة بعمى الالوان ، بل منذ الحقبة
الاستعمارية بعز عليها فراق الشر الأبيض، و تحاول دائما أن تجدد و تعيين نوستالجيا
فصل الصحراء عن فرنسا ، و عندما عجزت عنه سياسيا وعسكريا و تاريخيا ها هي عن طريق
حيلة الفن ، و الاعيب الادب ، و اراجيف الفكر تعيد القديم ، تجرب المجرب و تجزا
المجزا!.
اننا نجابه اليوم مخلفات الاستعمار الاشعاعية النووية الفتاكة ، عبر اجياله الذين صاروا جهارا نهارا متخللا و
مخرجا ، وكتغذية راجعة لمشروع كولونيالي قديم يجدد نفسه عبر القيم ، و عبر حق
(....) ، اريد به باطل اكثر منه شيئ اخر !.