قاموس امي اللغوي و الاصطلاحي
العقيد بن دحو
لن اسميها
على المبني للمجهول " الوالدة" ، او " العجوز " ، "
الشيبانية" او حتى " باما"
او " مام" .... !
سادعوها
" امي " حتى ان بلغ هذا الجيل
عنان السماء حضارة و تقدما سؤددا و ازدهارا فهل تغضب..!؟
فنحن مهما
كبرنا و اشتد ساعدنا في اعين الناس ، سنظل صغارا لا يقاس علينا في اعين امهاتنا و
في اعين ابائنا.
على غرار ما
يسميه هذا ( الجيل) و ما يطلقه من القاب على اهاليهم و ذويهم ، تشعرك منذ البداية
و كانهم يستحيون من ذكر لقب ( امي) على امهاتهم ، و كانهم ولدوا هكذا...من رحم
الفراغ او صبوا من السماء مع قطرات المطر
!.
كانت امي
رحمها الله اميرة كلام بالسليقة ، بالفطرة ، بسذاجة البداية . فهي لم تتلق اي
تعليم و من اي نوع ، و مع ذلك كانت سميعة بديعة حفيظة كاملة الامتلاء كاملة
الاعداد ، لكل ما يتلو و يردد على مسامعها من ملاحم اشعار شعبية ، تحفظ اشعار (
الشلالي) على ظهر قلب ، اجدادها و اشعار ابيها ، تحفظ القصص الشعبية الخرافية منها
و الفروسية و غيرها، تتلو اخبار اليهود و النصارى الذين كانوا يسكنون جوارها. . من حين الى اخر تتذكر تلك الحملات المغربية
التي كان يشنها ملك المغرب يوم ذاك ، و التي كانت تسمى ( المحله) ، و كيف كانت
ميليشيا المحله تنهب و تبث الرعب و الخوف في انفس الساكنة ، اسرت ابناء عمومتها ،
وقتلت ابناء خالاتها وكل من لم يستطيع ان
يدفع الفدية ذهبا او فضة يقتل دون قبر يذكر.
لا زالت امي
تروي لنا جمعا بطولة واحدا من عمومتها كيف استطاع التخلص من الاسر ، و كيف استطاع
التخلص من تلك السلسلة العملاقة الثقيلة الطويلة الحديدية التي كانت تطوق اعناق
رجالات البلدة. كيف استطاع راعي غنم و ابل ان يدس منشارا في اكسير خبزة ، و ساعة
ما انتصف الليل و ارخى سدوله و نال الثعب الكرى بعسس المخزن ، شرع ابن عمها في فك
حلقات السلسلة و تسلل بهدوء خلف التلال الرملية ناجيا بنفسه.
كانت ايام عصيبة
عام ( البون).... تروي قصص غزو المخزن و جنوده ( المحله) بمرارة. لا تزال تتذكر
مقولة بوحسون الشهيرة : " انا بوحسون اذا مت احسنكم و اذا حييت احسنكم "
!.
اصبحت امي
شاعرة لا تزال نسوة القرية يرددن اشعارها المغناة بالافراح و المسرات. كانت اذا
تحدثت الجميع ينصت ، لا تتكلم الا بعقل و حكمة ، كلام لا يشبهه كلام ، و كانه
استخرج من خوابي قديمة معتقة. يصعب فهمها .
لذا لم يكن
غروا السلطات الفرنسية يوم ان عرضوا على والدها امارة وادي الساورة رفض ، لكن اشار
لهم بابنته الصغرى ، و لما وضعوها في حالة اختبار تاكد لهم الخبر.
رفضت امي
طبعا و تطبعا المنصب رغم اشواك الغرور الجاه و المكانة الاجتماعية. و ظلت وطنية
قومية وفية مخلصة حتى بعد الاستقلال ، حيث شاركت المراة الربفية في جميع مراحل
نموها و تطورها لا سيما المراة الصحراوية ، شاركت جميع الاستحقاقات الوطنية ، حيث
كانت رئيسة للعديد من المراكز الانتخابية و الحملات التي تدعو الى التكافل و
الوحدة في حدود انتشار ثقافة السلم و التسامح.
من الصعب ان
تفك الغاز كلمات امي ، كانت كل كلمة تنطقها بمثابة قصيدة مجمدة تخفي الف حديث و
حديث ، و الف معنى معنى.... !.
كنت اموت و
افهم امي ماقالته لمجمع النساء اللواتي كن
يحيطن بها ، يوم كن يفتخرن بابنائهن و بناتهن كبروبجندا محلية تروج خصال
هذا الولد و ذاك ، محاسن و جمال هذه البنت و تلك. فلم يكن امام امي الا ان تذكر
اسمي بقولها : ولدي ( العقيد) : " قيدوم النجوع" اكبر قاموس و منجد لن يفسر لك معنى للكلمة.
في البدء كنت
احسبها كلمة ( تمويه) مراوغة ، تظليلية ،
كعادتها ، تخفي بها مميزات ابنائها ، خوفا من عين الحسد و عين الغيرة ، و
سائر الاعين الشريرة الاخرى !.
كاتت امي
رحمها الله ذكية بطب و تطبعها ، تعرف تجلس الناس مجالسهم ، و تحسن محاسنهم . تركت
اثرا طيبا يذكر بها بعد رحيلها ، يذكرها بخير و حتى الى وقت قريب كانت بعض الاجانب
و من اهل البلد ياتون يسالون عن عائشة. مانت امي رحمها الله تعرفهم كما انها
عرفتهم الساعة. مهما كانت لغته مستعصية عن الفهم و الادراك.
انقذت رجال
من سجن محقق ، و انقذت مؤسسات من ثغرات مالية سدت عنهم حق المساءلة و ذل
المتابعات...
كنت كالظل
بالنسبة لامي ، الحارس الامين ، امنتني على مبالع كبيرة و عن اسرار اجتماعية فحفظت
ما ائتمنتني عليه ، و حتى الان . توفت و سرها معها و انما حتى وقت الاحتضار كانت
تعرف اين تسند سرها في اغوار بئر لن يستطيع بعدها احد ان يجد له طلبا.
توفت
امي و تركت قاموسا يحمل العالم باكمله بين
دفتي حكاية و الف حكاية.
و البقية صمت
مادامت امي كانت دائما توصيني بالصمت في زمن كل متشاعر يحسب نفسه شاعر ، و كل
غوغائي يحسب نفسه متكلما ، و كل مرتب كلمات و جمل يحسب نفسه خطيبا متفوها.
الام مرسة
اذا اعددتها *** اعددت شعبا طيب الاعرلق
او كما قال
الشاعر.
وكم كانت امي
مدرسة على اميتها ، و كم كانت شعبا طيب الاعراق ابا عن جد رغم ( شعبوية) الحال و
المال .
امي...امي...امي
حتى ان ظلينا انا و (مكسيم غوركي) وحيدين اعزلين في هذا الوجود نسميانها قولا معقودا
على فعل : " امي " .