[[ الشيب ]] بقلم / صلاح جاد سلام
عندما يلمح الرجل بدايات ظهور الشيب يقوم مستنجدًا قواه ، محاولا
إخفاءه بطرائق مختلفة ، إما بصبغه أو بإزالته ، وما علم ذلك الرجل أن ظهور الشيب
ليس عيبًا فيه ، بل هو علامة الوقار والاحترام ، ويدعو صاحبه إلي التزود من فعل
الطاعات واجتناب المحرمات ،،،،
و قد يظهر الشيب في الرجل مبكرًا لعوامل كثيرة ، منها الوراثة أو
كثرة الهموم والمصائب أو كثرة الخوف أو إصابته بالأمراض المعدية ،، ولذلك قيل :
أظلم من الشيب لأنه ربما يهجم على صاحبه قبل إبانه ،،،،،،،،
لننظر إلى أقوال الحكماء والشعراء تجاه الشيب سواءً من حيث ظهوره أو صبغه أو إزالته ، أو آثاره ، وكذا مدحه أو ذمه ،،،،،
قال أحد الشعراء في ظهور الشيب مبكرًا :
قد يشيب الفتى وليس عجيبًا *** أن يرى النَّور في القضيب الرطيب
وقال الآخر:
تفاريق شيب في الشباب لوامع *** وما حسن ليل ليس فيه نجوم
وقال غيره : لَوْ كَانَ يُمْكِنُنِي سَفَرْتُ عَنِ الصِّبَا ***
فالشَّـيْبُ مِن قَبْلِ الأَوانِ تَلَثُّمُ
ومع أن الشيب يغزو شعر الذكر ، كما يغزو شعر الأنثي ، ولا يفرق
بينهما ، إلا أن هناك ظاهرة لغوية عجيبة ،، إذ ينعت الرجل بالشيب،، ولا تنعت
المرأة بذلك ،، فيقال رجل أشيب ، ولا يقال امرأة شيباء . وتفسير هذا الأمر وبسطه
وتحقيقه يخرجنا عن جادة موضوعنا وبيت قصيدنا .
وكما أن هناك من يكره الشيب ويذمه ، فتأتى المترادفات : ( نذير ــ
ندم ـــ خوف ـــ المرض والكبر ــ النساء يكرهن ذوي الشيب ،، الخ ) ،، فهناك من
يمدحه ويثني عليه ،،، ( الوقار ــ الإعتراف، تمني اللحوق بالأحبة السابقين ،، الخ
) أما
الكارهون له ، فلأنه عند بعضهم نذير واضح بقرب النهاية ، وبذلك
جاءت كلماتهم وأمثالهم فقالوا : شيب الشعر موت الشعر ، وموت الشعر علة موت البشر
،،،
وقالوا : الشيب نذير الآخرة
،، وقالوا : الشيب توأم الموت ،،،
وقالوا : الشيب أذان ، والموت إقامة ، ولست على طهارة ،،،
وقالوا : العمر صلاة ، والشيب تسليم .
وهذا هو قيس بن عاصم يقول : الشيب خطام المنية ،،،
والنمري يقول : الشيب عنوان الكبر ،،،
والمعتمر بن سليمان يقول : الشيب أول مراحل الموت ،،،
والعتابي يقول : الشيب تاريخ الكتاب ،،،
والسهمي يقول : الشيب تمهيد الحمام ،،،
و عدي بن زيد العبادي يقول :
وابيضاض السواد من نذر الشر *** وهل مثله لحي نذير
وهناك من يفجؤه الشيب ، فيتأسف علي ما كان منه تفريطا وتضييعا ،،،
فهذا هوحارثة بن عبيد الكلبيّ يقول :
أَلا ليتني أَنضيت عمري *** وهل يجدى عليَّ اليوم ليتى
حنتني حانيات الدَّهر حتَّى *** بقيت رذيَّة في قعر بيتي
تأَذى بي الأقارب إِذ رأَوني *** بقيت، وأَين منِّي اليوم موتي
وقال أبو الطيب المتنبي :
والْمَـرْءُ يَأْمُلُ والْحَيَاةُ شَهِيَّةٌ *** وَالشَّيْبُ أَوْقَـرُ
والشَّبيبةُ أنزَقُ
وقال :
وَمَا مَـاضِي الشَّبَابِ بِمُسـْتَرَدٍّ *** وَلا يَـوْمٌ
يَمُـرُّ بِمُسْـتَعَادِ
مَتَى لَحَظَتْ بَيَاضَ الشَّيْبِ عَيْنِي *** فَقَدْ وَجَدَتْهُ
مِنْهَا فِي السَّوَادِ
مَتَى مَا ازْدَدتُّ مِنْ بَعْدِ التَّناهِي *** فَقَدْ وَقَعَ
انتِقَاصِي فِي ازْدِيَادِي
وقال الفرزدق:
والشيب ينهض في الشباب كأنه *** ليل يصيح بجانبيــه نهــــار
ولعلقمة الفحل :
فإن تسألوني بالنساء فإنني *** بصير بأدواء النساء طبيبُ
إذا شاب رأس المرء أوقلّ ماله *** فليس له من ودهن نصيبُ
قال شهاب الدين أحمد الناصري :
ولما رأت شيب رأسي بكت *** وقالت عسى غير هذا عسى
فقلت البياض لباس الملوك *** وإن السواد لباس ا لأسى
فقالــت صدقــت ولــكنه *** قليل النفاق بسوق النسا!
وقال عبد الله الصفري :
بدا الشيب في رأسي فقالت تعجباً *** لقد شبت من هجري وأنت صغير
فـــقلت لها لا غــــــرو إن وصالكم *** يردّ شــباب المــرء
وهــــو كــبير
وللمثقب عائذ بن محصن العبدي، وتروى لعلبة بن يزيد أحد بني سليم،
وهو الأكثر:
تَهَزَّأَتْ عِرْسِيَ واسْتَنْكَرَتْ *** شَيْبِي، فَفِيها جَنَفٌ
وازْورارْ
لا تُكْثِري هُزْءًا ولا تَعْجَبِي *** فلَيْسَ بالشَّيْبِ على
المَرءِ عارْ
عَمْرَكِ هل تَدْرِينَ أَنَّ الفَتى *** شَبابُهُ ثَوْبٌ عليه
مُعارْ
وقال مالِك بن أَسْماء الفَزارِيّ :
كَتَمْتُ شَيْبِي لِيَخْفى بَعْدَ رَوْعَتِهِ *** فلاحَ مِنْهُ
وَمِيضٌ ليس يَنْكَتِمُ
راعَ الغَوانِي، فما يَقْرَبْنَ ناحِيَةً*** رَأَيْنَ فِيها بُرُوقَ الشَّيْبِ تَبْتَسِمُ
و لأبي إسحاق الألبيريّ:
أدال الشيب يا صاح شبابي *** فعوضت البغيض من الحبيب
وبدلت التثاقل من نشاطي *** ومن حسن النضارة بالشحوب
كذاك الشمس يعلوها اصفرار *** إذا جنحت ومالت للغروب
وقال مسلمٌ صريع الغواني :
الشيبُ كرهٌ وكرهٌ أن تفارقهُ *** أعجبْ بشيءٍ على البغضاءِ مودودِ
يمضي الشبابُ وقد يأتي له خلفٌ *** والشيبُ يذهبُ مفقوداً بمفقودِ
ويقول رؤبة بن العجاج مادحاً الشيب و مفضلاً إياه على الشباب:
أيها الشامت المعير بالشيـب *** -أقلن بالشباب افتـــخارا
قد لبست الشباب غضا جديدا *** فوجدت الشباب ثوبا معـارا
وقال أحد الشعراء في خضب الشيب وصبغه :
يا خاضب الشيب بالحناء تستره *** سل المليك له سترًا من النار
لن يرحل الشيب عن دار ألم بها *** حتى يرحل عنها صاحب الدار
***********************
***********************