"محطة مصر"..عرض يعيدنا لزمن الفن الجميل..!!
بقلم عبده الزراع
لم أكن أتخيل وأنا أتوجه إلى مسرح العرائس بالعتبة لمشاهدة عرض "محطة مصر" بدعوة كريمة من مؤلف العرض الكاتب والشاعر الصديق محمد زناتى، أننى سأشاهد كل هذا الجمال، هذا العرض بزخمه الشعبى، ومسحتة الصوفية التى غلفته اعادتنى لزمن الفن المسرحى الجميل، لم يكن من قبيل الصدفة أن ينجح أوبريت الليلة الكبيرة لعمنا صلاح جاهين كل هذا النجاح، ويستمر فى الوجدان والذائقة كل هذه السنوات، إلا لأنه توفر له كل مقومات النجاح، فقد اشترك فى كتابته واخراجه وتصميم عرائسه وموسيقاه وغناؤه نجوم، وصورة التليفون المصرى، الذي تبناه حتى حفظناه فى صبانا عن ظهر قلب، وفى ظنى أنه من أكثر مقومات نجاح الليلة الكبيرة هى قربها من روح الشعب المصرى، لأنه تناول المولد الشعبى.. ومن ثم فقد فطن مخرج وكاتب عرض "محطة مصر" إلى سر الخلطة السحرية وهو تناول الحياة الشعبية المصرية الحية والسريعة واللاهثة، بتعدد شخوصها وتباينها وتعدد لهجاتها وأزيائها،.
"محطة مصر" فى ظنى أقرب للاوبريت من المسرحية، فقد لجأ المخرج بذكاء إلى اللوحات المتعاقبة والسريعة، التى اعتمدت على سرعة الحركة والتنقل، والغناء الذى ملأ الأوبريت من أول أغنية الاوفرتير وصولاً إلى الفينال.
نحج محمد زناتى فى الاعتماد على الاغانى أكثر من الحوار السردى، وقدم قصة بسيطة ولكن غلفها بالتشويق، وهو مقوم مهم من مقومات نجاح أى عرض للاطفال، علاوة على خفة دم الشخصيات، ومقدرة محركى العرائس على أن بعثوا فى تلك العرائس الحياة والحيوية لنشعر وكأنهم شخصيات من لحم ودم.
اختار زناتى محطة مصر لتكون مكاناً أثيرا للعرض، وهو المكان الذي يجمع كل شرائح المجتمع بجميع طوائفهم واختلاف اشكالهم ولهجاتهم، مكان به زخم وزحام والتحام، تصعب فيه أن تخلو بنفسك، لذا يسهل فيه بل وينشط الخارجين عن القانون.
فمن خلال بطلة العرض الطفلة الذكية المتفوقة أحلام، الشغوفة بالقراءة والاطلاع والسفر من خلال القطار، وبتواجدها فى محطة مصر استعدادا لركوب القطار، تركها والدها لدى كشك بائع الكتب والجرائد، وذهب إلى شباك التذاكر المزدحم لكى يقطع تذكرتين له ولها، وكانت تبحث عن كتاب فى أدب الرحلات، فسألت بائع الكتب فاخبرها بأنه يوجد كتاب أنيس منصور ٢٠٠ يوم حول العالم، ولكنها اخبرته بأنها قرأته من قبل، وتريد كتابا جديدا، فجأة تختفى أحلام من المحطة بعدما يسمع صرخة مدوية، ويعود والدها فلم يجدها، وتبدأ رحلة البحث عنها من خلال مساعدة الشرطى المتواجد في المحطة، ومساعدة بعض أولاد الحلال، ويتوصل الشرطى لأحلام عن طريق صاحب الكشك الذى أرشد عن وجود بعض الشخوص اشكالهم كانت غريبة وكانوا يقفون بالقرب من أحلام وبعدها اختفت، وعن طريق صورة أحد الإرهابيين الذين يبحث عنهم البوليس يتوقع الشرطى أنه هو الذى خطف أحلام، وعن طريق البحث الجاد يقبضون على ثلاثة أشخاص من الإرهابيين كانوا يريدون تفجير القطار بوضع قنبلة تحته، ولما سمعتهم أحلام وهم يتحدثون وعرفوا أنها الوحيدة التى كشفت سرهم خطفوها وارجاوا التخلص منها بعد أن يفجروا القطار، وبفضل أحلام الشجاعة التي لم تخف منهم، وكلبها الذى تتبع أثرها من خلال شمه لشالها الذى وقع منها على أرض المحطة أثناء مطاردة الارهابيين لها، تم القبض عليهم.. لينتهى العرض بعودة أحلام إلى والدها الذي كاد أن يجن.
احتفى العرض بالروح الوطنية ومحبة الوطن، والتعرض لقضية الإرهاب التى تمر بها البلاد فى فترة من أصعب فتراتها، كما وردت بعض المعلومات عن محطة مصر منذ نشأتها وأن إسمها القديم كان باب الحديد، كما أشار المؤلف في لمحة ذكية إلى فيلم يوسف شاهين "باب الحديد"، كما جاءت الشخوص موائمة مع الحالة المسرحية، فتجد بائع العرقسوس، والشيخ، والدرويش، والصعيدى، والفلاح، والرجل المتعلم، والغازية..الخ.
تحية لمخرج العرض على هذه السيمفونية الرائعة التى عزفها من خلال عناصر العرض المختلفة بمقدرة يحسد عليها في مالا يتجاوز الساعة والتى لم نشعر بملل خلالها.. تحية لمصمم العرائس المبدع، وللفنان والملحن الرائع حاتم عزت، والمطربة الجميلة فاطمة محمد على، وللكاتب والشاعر المبدع محمد زناتى.. وأرى أن هذا العرض لو توفرت له عوامل النجاح التى توفرت لليلة الكبيرة سوف يعيش طويلا فى الوجدان الشعبى، لا يفوتنى أن أشكر مدير مسرح العرائس الفنان محمد نور، ومدير دار العرض الصديق محمد شافعى اللذان وفرا للعرض كل مقومات النجاح.
***********************
***********************