رنزي يا ظل الإله
رواية - نجلاء محرم
(صدرت عام 2012)
الفصل الثامن عشر
ـــــــــــــــــــــــــ
فَتَحَتْ الليلةُ التي بتناها داخل المعبد طاقات اللهب يا "رنزي"!
ما عاد جند الفرعون وحدهم يطاردوننا.. حرَّاسُ المعبد يدورون ليل نهار في
الأسواق والأحراش والحقول والبساتين.. استعرت نار الانتقام واحترقت قلوب الكهنة
وتمزقت أحشاؤهم كمدًا وغيظا..
والتدبير الذي دبرته لم يتم.. وسعيك لتُذبح على مائدة القرابين لم ينجح!
ظللنا ننتظر عثورهم علينا.. ونترقب فراقنا حين تنسكب دماؤك الحبيبة قربانا
للآلهة..
لماذا يا"رنزي" _ مادمت متقصدا أن تجعل من نفسك قربانا للآلهة _
لماذا كنت خائفا؟ لماذا _ ما دمت تبتغي عثورهم عليك _ لماذا أمعنت في الاختباء؟
غالية هي الحياة يا"رنزي".. نضيق بها ونظل نتشبث بأطرافها!
لم يعثروا علينا!
غَطَّتْـكَ الآلهة بأهدابها الرحيمة فَعَمِيَتْ عيونُهم عنك!
بِتْنَا بين أيدي الآلهة الراعية وذاقت عيناك النومَ آمنا مطمئنا!
وفي بكور اليوم التالي.. وخيوط الشمس تُطَعِّمُ الليل المنصرم بشعاعات
النور.. لمحتك عينا كاهن القرابين وأنت تعتلي سور المعبد!
صاح وجرى!
لكننا كنا قد شققنا طريقنا في غشاوة الصباح الساترة..
سَمِعْتَ بنفسك هدير صوت قلب الملك الرئيس الأعظم للكهنة وهو يقسم بعزة
الفرعون إنه لقاتلك!
لقد خرج من بيت الإله يا"رنزي"! رئيسُ الكهنة - الذي لم يخْطُ
يوما خارج بيت الإله إلا لجنازة أو عيد - خرج وسار في المدينة واندس في سوقها
وفاجأ الناس بصوته المنذر المتوعد.. حرضهم ضدنا.. أمرهم بالقبض علينا
يا"رنزي".. خَوَّفهم بغضب الآلهة على من يعطف علينا!
"مقتول أبناؤه.. موبوءة أسرته.. مجدبة أرضه..
هالكة روحه.. ملازمه المرض.. طاحنه الفقر.. كل من يُطْعِمُهُ أو يُؤْوِيه أو
يُقَابِلُهُ أو يسمع منه أو ينظر إليه دون أن يَمُدَّ كفَّهُ لِيبطشَ به"!
و"آسري".. صاحبنا الطيب.. هل ستكون سببا في كل هذا الأذى الذي
سيصيبه؟ لن يُفلته الفرعون دون عقاب.. ستكون سببا في هلاك من يُحْيِينَا
يا"رنزي"! لابد وأن تنسى "منف"! انتزعها من قلبك انتزاعا! ابق
كامنًا في "إيوع" لتبعد كل شر عن "آسري" الطيب.. لاتفكر في أن
تراه أو تقابله..
الآلهة لا تغفر ولا تسامح!
لا تتوهم أنها ستعاملك كما تعامل الكهنة.. حقا هم قتلوا
"حتحور".. عذبوها وأدموها ومزقوا جسدها.. لكنهم لا يتصرفون إلا بأمر
الآلهة.. هم مشيئتهم ويدهم الفاعلة على الأرض!
فلا تُزَيِنَنَّ لك نفسُك أن الآلهة - كما تغاضت عن إساءتهم - ستتغاضى عن
إساءتك..
هم الكهنة وأنت البَنَّاءُ!
هم رفاق الآلهة وأنت عبدهم!
هم ناقلو أوامر الآلهة وأنت منفذها!
الآلهة تهمس للكهنة وتبطش بالعبيد!
الآلهة لاتكون آلهةً إلا بخضوع العبيد وانصياعهم ورضوخهم..
فاخضع يا"رنزي" كما يخضع الجميع..
ليس نفاقا.. وإنما تمسك بالحياة.. والتماس للأمن.. وصَوْنٌ للأحبة..
***********************
***********************