جاري تحميل ... فنون

إعلان الرئيسية

جديد فنون

عاجل

إعلان في أعلي التدوينة

جديد موقع علَّم نفسك

جديد علَّم نفسك
من أحاديث النفس :
من مصنّف لى بعنوان [[ قصص وأقاصيص ]] أقتطف للقاريء الكريم ما يأتى :
[[ لك الله يا آدم ]] : 


***************
هو طفل صغير لم يتجاوز الرابعة من عمره ،، 
لايزال يحنّ إلى صدر أمه ، يتحسّسه بين الحين والحين بعفوية غريزية ، لعلّها ترضعه من ثدييها كما تعوّد من قريب ،، 
هو طفل ملتصق بأمه التصاقا يجلّ عن الوصف أو التشبيه ،،
وكأنه بغريزته يعبّر بصدق مشاعره وأحاسيسه عن شكره وامتنانه الفطرى لحنانها وعطفها وتدليلها له ،،
فأبوه شاب طموح ،،، مجتهد خلوق ،،، كثير السفر خارج البلاد ، رجاء توفير أسباب الحياة السعيدة لأسرته الصغيرة . 
لذا ،، فليس أمام ناظرى ( آدم ) صباح مساء ، بعدد دقائق اليوم والليلة إلا أمّه ،،
وذات يوم يُتوفّى جده لأمه ،،، ويُجهز لدفنه ،، وينطلق المشيعون فى جنازته إلى حيث مثواه الأخير ،،
وهناك ،،،
وقفت النساء إلى جانب المقبرة ، ريثما يفرغ الرجال من دفنه ،،
وتقف أم ( آدم ) وقلبها يتمزّق حزنا على فراق أبيها ،،، ودموعها تنهمر بغزارة ،،، حتى قاربت على فقدان الاتزان ، والوقوع على الأرض ، من فرط قسوة وشدة حالتها ،،، 
كانت ساعتئذ مثل كثير من السيّدات المشيّعات للجنازة ، تتشح بالسواد ،،، وتلبس نظارة سوداء ،،،
ومع كثرة المتشابهات منهنّ وازدحامهن فى ذلك المكان ،، كان ( آدم ) ملتصقا بأمه ،،،
فإدراكه لا يستوعب شيئا مما حوله ،،، اللهم إلا سكونا وسكوتا والتصاقا بأمه . 
وتمضى الليالى والأيام ،، لاتكمل أشهرا أربعة ،، و ( آدم ) يسأل أمه :
فين جدّو ،، هو ليه مش بيجى عندنا ويجيب لى اللعب الحلوة ؟ 
وتجيبه الأم ، وقد شدّت عليه بين ذراعيها احتضانا : جدّو راح عند ربنا ،،
فيسأل : هو ليه ما خدنيش معاه عند ربنا ،، ؟
فترد الأمّ ، وقد زادت من شدّة حضنها : إن شاء الله أنا . 
وفى صباح يوم ، سطعت شمسُه عليها ،، فكان آخر سطوع تراه ، 
خرجت لتتسوّق بعض حاجيات المنزل ، وقد تركت ( آدم ) نائما ، لن يستيقظ قبل ساعات ، كما تعوّد ،،
لم تغب كثيرا فى تسوّقها ،،، 
وفى طريقها ، راجعة إلى منزلها ،،، إذ تعبر الطريق الرئيس ،،، تدهمها سيارة ، كأنّها طلقة رصاص فى سرعتها ، فترديها فى التوّ ، جثة لا حراك بها ،،
ويتجمّع الناس حولها ، يحوقلون ويسترجعون ،، 
يتساءلون ،، هل من أحد يعرفها ،،، هل من أحد ؟ هل من أحد ؟ 
وإذا بسيدة مسنّة ترتمى عليها ، في مرأى يكاد يجعل الناس حولها يظنّون أنّها أمّها ،،،
وما كانت تلك السيدة إلا إحدى جاراتها ، التى حزنت عليها بصدق ،، مثلها مثل جميع من عرفها من قريب ، 
إذ كانت أمّ ( آدم ) حالة نادرة من سمات الأدب والخلق والوفاء والشهامة والأصالة والإخلاص ،، 
وأخيرا ،،، 
يتمّ دفن أمّ ( آدم ) فى قبرها ،،، وقد اجتهد أهلها ـــ يومئذ ـــ فى تغييب ابنها ( آدم ) عن مراسم الدفن جميعها .
ويرجعون إلى المنزل ،، وأعينهم بالدموع المنهمرة ، يراقبون حال ( آدم ) ،،،
إدراكه لايستوعب غياب أمّه ،،، بل ولا يكاد ،،،
يدور بين الجالسات ، ينظر فى وجوههنّ ،، ثم يجرى إلى غرفة النّوم ،،، يجيل بصره فى أنحائها ،، بحثا عن أمّه ،، 
يبحث تحت السرير ،،، يستكشف ،،، لعلّها مختبأة تحته ،، كما كانت تفعل معه من قبل ،،
لا يجد شيئا تحت السرير ،،
فيعيد الكرة من جديد ،،، 
يدور بين الجالسات ، ينظر فى وجوههن ،، ثم يجرى نحو باب الشقّة ،، بحثا عن أمّه ،،، لعلّها مختبأة خلفه ،، كما كانت تفعل معه من قبل ،،
لا يجد شيئا ،،، 
ويكرر الأمر مع أبواب الحجرات ،، 
ولأن ذكريات اختباء أمّه ـــ فى عقله وقلبه ـــ ،، وعثوره عليها فى تلك الأماكن ،،، كانت دائما محلّ ضحكاته المجلجلة ، ومن ثمّ أحضانها الدافئة ،،
كان من المنتظر ـــ والحال كذلك ـــ أن يندفع ( آدم ) إلى نوبة من البكاء ، بحثا عن أمّه ،،
إلا أنّه ـــ ويالغرابة ردة الفعل ـــ لم يبك ،،
وكأنّه لا يزال على أمل متجدّد فى العثور علي أمّه مختبئة فى مكان ما ، كما كانت تفعل معه من قبل ،،
وهكذا ،،،
سيعيش ( آدم ) إلى حين ،، يسائل نفسه ، أين أمّى ،،،؟ 
وقد يصيح بلسان الحال يوما ما : أين أنت يا ماما ؟ 
وقد يستوعب الأمر يوما ما ،، فيسمع إجابتها من دقات قلبه : أنا عند ربنا . 
ولايسعنا ـــ والحال كذلك ــــ إلا أن نسأل الله تعالى أن يتقبلها قبولا حسنا ، وان يتغمدها بواسع رحمته وسابغ إحسانه ،،، 
ولسان الحال يعزّى قائلا : [[ لك الله يا آدم ]] . انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــ
صلاح جاد سلام

***********************


***********************

إعلان في أسفل التدوينة

اتصل بنا

نموذج الاتصال

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *