نهاية المسرح
========العقيد بن دحو
صحيح صرنا نسمع في مطلع الألفية الثالثة هذه عن نهاية التاريخ للكاتب الإمريكي من أصول أسيوية (فوكوياما) أي نهاية القيّم !.
بالطبع نهاية التاريخ تحصيل حاصل الى نهاية الشبيه بالتاريخ ( الخرافة - الأسطورة - الحكاية الشعبية - وبعض العادات والتقاليد المادية واللامادية ) , إذ يقول المفكر المستشرق ( رجاء غارودي) : " لبناء حضارة يلزمنا تاريخ والشبيه بالتارخ " . ايضا يشهد ما قبل التاريخ / اي ما قبل الميلاد , وجنون التاريخ : حين يصير المرء يقكر وفق منطق ابليس , أي وفق قوته التدميرية. وايضا الصفر التاريخي : يوم تهدم وتضرب المكتبات ودور العبادة والمقامات والتماثيل ابان الحرب والسلم لأسباب سياسية او عدمها.
كل هذه الأسباب وغيرها تعجل بتصديق النبأ عن نهاية المسرح حقا.
ومازاد الوضع تعقيدا وجعلنا نمشي مع الطرح , تلك الترديدة والترنيمة و الأنشودة التي لا تزال ترددها (ملهاة الضفادع) للكاتب والشاعر ارستوفانز القرن : (-405 ق.م). تقول الفقرة او الترنيمة : " حين ذهب الإله " ديونيسوس) الى العالم الأخر ليسترد واحدا من الشعراء الثلاث : ( اسخيلوس- يوريوبيدز - صوفوكليس) لم يكن قد بقي منهم أحدا " في اشارة الى ان المأساة اليونانية انتهت بموت الشعراء الثلاث !.
ولأن ( الضقادع) ظاهرها الرحمة كوميدية ترفيهية توفر الضحك والمرح والابتسام , فإنها باطنها العذاب تراجيديا بإمتياز , وما عالجته من مشاكل اجتماعية وقضايا وطنية , كالحروب من اجل اغراض دنيوية ساقطة لا تستحق التضحيات الجسام التي طالما تغنت بها التراجيديات الاغريقية و أمهات الملاحم.
انها الصدى والطنين التي تردده بعض ذبذبات اصوات الحيوانات كنقيق الضفادع التي حسبته غناء , وبالتالي ضاع الغناء (...) بالبرك اآسنة التي لا يمكن ان تطرب ولا تهز مشاعر إلا بهدأة الليل حيت تقض المضاجع بالكوابيس المزعجة....!.
انه التحدي بين الإله ( ديونيسيوس) والضقادع .يسمع الإله أثناء عبوره نشيد الضفادع التي تسكن مستنقعاً قريباً من البحيرة فيقاطعها ويتحداها في المقدرة على الأنشاد وتجري بينه وبينها مباراة غنائية تنتهي بفوزه.
اننا اليوم لم نعد نتحدث عن المسرح في غير الحديث عن هوامش أخرى ضوربت بها العولمة ولا سيما اللغة الشعرية التي لم تعد وعاء الفكر ولا الحلم ولا الشعر ولا الفعل , ولا ه بهد ان ذهبواي الأسلوب ولا هي الرجل. بل صارت شبيها بنقيق الضقادع الاتصال والتواصل باللاجدوى والعبث , صوت من اجل صوت وبلا حديث !.
ما الذي يجنيه اليوم المسرح من عصر النهايات هذا , ويبدو الإنفجارات في كل شيئ , بالمعلومة وبالفكرة وصار من الصعب القبض على تلك اللحطة المسحورة التي كان يلتقطها الفنان في مجرة الزمن ويخطها على الورق او على الركح او على المنبر لحظا ولفظا واشارة او كتابة او رسما او نقشا او تمثيلا.
لقد مات الإله الإغريقي القديم والروماني ومات الشبيه بالإله ومات البطل الفارس ايضا , وبالتالي لم تعد الأسطورة ميرث الفنون في عصر اثقله منطقه.
كما لم يعد القضاء والقدر كما كان عند الاغريق القدامي يقررمصير الانسان , بل صار البوليس السري هو من يقوم بهذا الدور.
لقد فشل الفنان الحديث او ما بعد الحداثة المعاصر ان يحول طبيعته البشرية العادية الى طبيعة هائلة مذهلة مدهشة يسامت الإله , يحول نفسه الى (صانع) , صانع لنفسه أولا ومشكلا لمحيطه, واصفا الانسان وطبيعته الهائلة ومحيطة اللاصفات...!.
لقد انتهى المسرح فعلا , وما بقي إلا ذاك الشبيه الظل الحسير الهجير , يحسبه الظمآن ماء , وما هو إلا أدب وفن وثقافة هروب , هروب من الفراغ الى الفراغ , ومن العدم الى العدم , خوفا من يقال عنه الناس بأنه لم يهرب !.
لقد افسدت السياسة واشباه المثقفين وانصاف المتعلمين والمتسلقين كلما هو جميل بالإنسان وعوضته عن اغراض دنيئى ساقطة ميكيافلية وبافلوفية.
لقد انتهى المسرح بموت كباره ورواده وايضا بالوطن العربي , وما نشاهذه اليوم عبر ركح تلك العلب الايطالية إلا ما هو شبيه ببحيرة الضفادع حين يريد البعض (....) ان يتنافس مع هذا الحيوان المخلوق البرمائي بالغناء وابان الهزاع الأخير حين يشتد وقع أصداء النقيقي على مسامع هدأة الخليقة .
***********************
***********************