من أحاديث النفس :
من مصنَّف لى بعنوان [[[ قصص ،، وأقاصيص ]]] أقتطف للقاريء الكريم ما يأتى :
{{ إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا }} :
**********************************
وهما معا قيمة عمولته من صفقة تجارية كبيرة ، إذ اشترط أن تكون نقدا ( كاش ) .
أفاض على الرجلين بكريم الضيافة ، فضلا عن إعطاء كل منهما مبلغا كبيرا على سبيل الهدية ( البقشيش ) ،،
فلما انصرفا ،،
حمل الحقيبتين وخرج ليستقل سيارته ،،
ثم انطلق بها مسرعا إلى الاسكندرية ، حيث منزل والدته التى غاب عن زيارتها طيلة أسبوع مضى ،،
كانت نيته أن تكون أول من يلمس هذه النقود ، لتحل فيها البركة بفضل دعائها له ،،
فى الطريق ،،،
رأى سيدة تسير، وتمسك بيدها طفلا صغيرا ،، فاستغرب الأمر ، لا سيما أن الليل قارب أن ينتصف ،،
توقف بجانبهما سائلا : إلى أين ؟
فأجابته : إلى المستشفى ،،
فقال لها : اركبا ،، أنا ذاهب إلى هناك ،، فركبا ،،،
والحقيقة أنه ما كانت المستشفى هدفا له ،، بل إنه لا يعرف أين هى ،،
وبذكاء فطرى ،، عرف موقع المستشفى ،،
وأيضا ، عرف أن زوجها يرقد فى تلك المستشفى على إثر حادث أليم وقع له منذ عدة أيام ،،،
ولذلك فهى تذهب إليه كل يوم ، فتبيت عنده ،، حتى الصباح ،، وهكذا ،،
إلا أنها فى هذه المرة تأخرت ،، بل وتأخرت كثيرا عن ذهابها إلى زوجها فى المستشفى ،،
والسبب أن جارة لها أخذها الطلق ،، فسارعت إليها ،، ولم تتركها إلا بعد تمام ولادتها ،، ومن ثم سارعت بالاستئذان والانصراف ،، لتذهب إلى زوجها فى المستشفى ، على وعد بالرجوع إليها فى الصباح ،،
وعند المستشفى ،،، ظنت السيدة أن سعادته أنهى دوره الكريم ، وسيتركها عند باب المستشفى ، فبادرته بعبارات الشكر والدعاء ،،
إلا أنه صمم على أن يدخل معها المستشفى ، بحجة أن يزور زوجها زيارة سريعة ثم يمضى إلى حال سبيله ،،
وفى الدور الثالث ، قصّت علي زوجها باختصار ما تكرّم به سعادته عليها ، بل وتصميمه على المجيء بنفسه للزيارة ،،
وفى دقائق قليلة عرف سعادته أن الزوج عامل اجير باليومية ،،، وأن الحادث الذى تعرض له قد يعجزه عن العمل لبضعة أشهر ،، ومع ذلك فعبارات الحمد والشكر لله تعالى كانت هى الغالبة على قول الزوج وزوجته ،،
لم يلبث سعادته فى الزيارة إلا دقائق معدودة ، ودعا للمريض بالشفاء العاجل ، وانصرف ،،
ثم إنه ما أن وصل إلى والدته ، وقبّل يديها ، وفتح لها الحقيبتين بما فيهما من ثروة نقدية كبيرة ، وسعد بدعائها المخلص له ، حتى قص عليها ما رآه فى سفره ،،
اهتمت الأم الصالحة بتفاصيل القصة اهتماما واضحا ، وسرعان ما طلبت من ابنها أن يعاود الزيارة لذلك المريض فى المستشفى ، وأن يساعده بأقصى ما يستطيع ،،
فوعدها بأن يفعل ،، ففرحت بذلك ، وأبدت له مظاهر فرحها وسعادتها ، بل واهتمامها لهذا الأمر ،،
فلما حان موعد انصرافه ورجوعه إلى القاهرة ،،
أمسكت بيده ، قائلة له :
وعدتنى بمعاودة زيارة المريض فى المستشفى ، ووعدتنى بمساعدته ،،،
فلا تنس تنفيذ وعدك تجاهه ،، وستعلم بإذن الله أن فى التفاصيل خيرا كثيرا ،،
وكأنها كانت تقرأ بشفافية الصالحين ما تغيب سطوره عن أعين كثير من الناظرين ،،
فى طريق سعادته عائدا من الاسكندرية إلى القاهرة ،، عرّج على المستشفى ،،
ودخل إلى حيث يرقد المريض ،،
سلّم عليه ، وجلس إلى جواره على السرير ، وكأنهما على معرفة سبقت منذ أعوام وسنين ،،
قال له ،، لقد حكيت لوالدتى عن زيارتى السابقة لك ،،
ففرحت كثيرا ، واهتمت بأمرك كثيرا ،، ثم إنها أمرتنى بمعاودة زيارتك ، وأن أكون فى مساعدتك بأقصى ما أستطيع ،،
ثم انها قالت لى حين انصرافى جملة لاأزال أحاول ان أستوعبها ،، والظن أن الإجابة عندك ،،
لقد قالت : لا تنس تنفيذ وعدك ،، وستعلم بإذن الله أن فى التفاصيل خيرا كثيرا ،،
ولكن ،، قبل ذلك ،،، قل لى ما اسمك ،، فأنا حتى الآن لا أعرف اسمك ،،
فأجابه على الفور : اسمى شاكر ،، وأقسم أن والدتك من أهل الصلاح ، والكشف ،،
أنا يا سيدى الكريم حاصل على دبلوم تجارة منذ أكثر من عشر سنين ،،
ومع أنى أجيد التحدث بالانجليزية والفرنسية ، لكثرة احتكاكى بالسياح الأجانب فى قريتنا منذ طفولتى ،،
ومع أنى بحثت عن عمل مناسب كثيرا كثيرا ، ولم أجد ،،
لذا اضررت إلى العمل فى مجال البناء ، ضمن عمال اليومية ،، لأستطيع أن أنفق على أسرتى ،،
طبيعة العمل شاقة وصعبة ومرهقة ، وفى كثير من الأحيان غير مناسبة ، ولكنه الاضطرار ،،
فى الجمعة الماضية ، خطب الخطيب خطبة عنوانها قول الله تعالى { إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا }
كانت خطبة بليغة بحق ،، أثرت فى نفسى تأثيرا كبيرا ،،
دعوت الله تعالى فى سجودى أن يهييء لى القيام بعمل صالح ، أحسن القيام به بنية خالصة ، فيتقبل ، ومن ثم يكون الأجر والثواب والجزاء من أكرم الأكرمين ،،
فى اليوم التالى مباشرة ( السبت ) ،، كنت أنقل على كتفى الطوب والأسمنت لأصعد بهما إلى الدور الرابع فى مبنى على الطريق السريع ،،
وفجأة ،، رأيت سيارة نقل كبيرة مسرعة جدا جدا ، فوق ما تتخيل ،،
وامرأة عجوز تعتمد على شيخ كبير ،، يعبران الطريق ،،
كانت الثوانى حاجزا بين الموت والحياة لهذين العجوزين ،،
قفزت تجاههما قفزة لا أستطيع وصفها ،، ودفعتهما بعيدا عن السيارة بكل قوتى ، وبقي بعض جسمى تدهسه السيارة المسرعة دهسا ،،
تجمع الناس حولى وأنا فى غيبوبة تامة ،، ونقلونى فورا إلى هذه المستشفى ،،
علمت بعد ذلك أن سائق السيارة المسرعة قد توفى فى تلك اللحظات بسكتة قلبية مفاجئة ، فزادت سرعة السيارة إلى أقصى درجة ، نتيجة لتصلب رجله بقوة على ما يسمى بدواسة البنزين ،،
ولم توقفه فى آخر الأمر إلا شجرة معمرة على جانب الطريق ، انحرف إليها فقضى عليها .
وأما الشيخ والعجوز ، فيوميا يأتيان لزيارتى ، ويمطراننى بعبارات الشكر والامتنان والدعاء الخالص ،
حين أفقت من الغيبوبة ، تذكرت دعائى فى سجودى فى صلاة الجمعة ، ورجوت أن يكون قد استجيب لى بما كان فى ذلك الحادث ،،
وأنا على يقين تام بأن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا ،،
صدقنى ،،
الأطباء بشرونى بأن حالتى الصحية مطمئنة ،،
وأننى سأعود إلى كامل صحتى بإذن الله تعالى ، وإن طال أمر العلاج والتحام الكسور المتعددة المتنوعة .
والقادر على أن جعلنى سببا فى نجاة الشيخ والعجوز من موت محقق ،
والقادر على أن يعيدنى بكامل صحتى ،
هو سبحانه المجيب دعوة من يخلص فى دعائه ، فله الحمد كل الحمد والشكر كل الشكر .
كان سعادته مستمعا منصتا لحديث شاكر استماع وانصات المتأمل المتفكر ،،
فلما فرغ شاكر من سرد القصة ،، بادره سعادته ، وقد تصنع المزاح قائلا :
لو أعدت على مسمعى هذه القصة بالانجليزية ،، سيكون لى معك شأن آخر ،، فأنا أجيد الإنجليزية أيضا ،،
حملق شاكر فى وجه سعادته ، على سبيل المفاجأة ،،،
وسرعان ما أخذ فى إعادة سرد القصة بالانجليزية ،،
فلما فرغ ،،،
سكت سعادته قليلا ، ثم قام فقبل شاكر ،، وقال له :
لنعقد معا صفقة العمر ،، هل توافقنى ؟
قال شاكر متسائلا : صفقة ؟
ثم قال : أيا كانت الصفقة ،، أنا موافق عليها من قبل أن أعرف عنها شيئا ،، والأسباب عندى قوية جدا جدا ،،
عودتك لتزورنى ، بلا ثمة معرفة ولا مصلحة ،، وصلاح الوالدة وتوصيتها لك بى ، كأنه بعض الكشف الذى يمتاز به الصالحون ، لأنهم يرون بمدد من الله تعالى .
وسرعان ما تشابكت يداهما ، وطفقا يقرآن الفاتحة بالاتفاق ، وطلب التوفيق والنجاح والسداد من رب العالمين ،،
قال سعادته : دعنى أبدأ من الآن فى تنفيذ الصفقة ،،
اتصل من فوره بمستشفى خاص ،، وحجز لشاكر حجرة ليبيت فيها من ليلته ،،
وفى بضعة أشهر تواصلت أسباب الشفاء لشاكر ،، لينهض من رقدته معافى سليما تماما ، كأنه لم يكن قد مسّه ضرّ ،،
وبدأ العمل فى الشركة الكبيرة التى تقوم بالوساطة بين الشركات العالمية ،،
سعادته تفرغ للسفريات المتوالية المتكررة ،،
وشاكر يدير الشركة فى القاهرة بإخلاص وإتقان ونجاح ،،
وهكذا ،،،،،،
يعتدل ميزان حياة شاكر وأسرته إلى أحسن وأسعد ما تكون الحياة .
وسبحان من وعد وهو أصدق القائلين :
{ إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } . انتهى
ـــــــــــــــــــــــــ
صلاح جاد سلام
***********************
***********************