موسم الحج في الثقافة الشعبيّة
مخيم المحطة
غلب الحج على كبار السن من الرجال، وفي بعض الأحيان يصطحبون زوجاتهم، فيقوم الذي نوى السفر بزيارة أهل الحي ومعارفه ليسألهم المسامحة إذا كان قد بدر منه خطأ بقصد أو دون قصد، لتبدأ السهرات الوداعيّة قبل أسبوع من موعد الرحيل، فيزوره الأهل والأصدقاء ليؤكدوا مسامحتهم والدعاء له بالعودة سالمًا.
وفي صورة من صور التكافل الاجتماعي يقوم بعض الأقارب والجيران بـ (تنقيط) الحاج مبلغًا من المال يساعده في مصاريف الرحلة والهدايا التي سيحضرها من الديار المقدسة.
أما النساء فتتوافد إلى منزل الحاج لوداعه بأغانٍ شعبيّة أُطلق عليها (تحانين أو التراويد) من الحنين، تعتمد في لحنها على المد الطويل الحزين حتى تقترب من التناويح، يمتاز بالرقة والحزن.
أما كلمات(التحنينة الوداعيّة) فتمتاز بالبساطة المشرّبة بالحزن والحنين إلى الديار المقدسة، تذكِّر الناس بالأماكن المقدسة والحنين إليها والابتهال إلى الله بعودة الحاج سالمًا.
تجلس النساء في صفين متقابلين أو بشكل دائري، تقول المجموعة الأولى، وتردّ عليها المجموعة الثانية بـ (تحنينة افتتاحيّة) تقول:
حننوا حننوا لِمْحننْ في اْلسما تْرَوِّحـوا وِتِيجُوا سوى سالمين
يا صْحَابِ النَّبي خذُوني معاك إنْ نَويتوا السَّـفَرْ خُذُونِي معاكم
ما نِصْبُر بَلاكُمْ يا صْحَابِ النَّبي
ومع أن هذه العادة اختفت تماما، إلا أنني ما زلت أذكر تلك الليلة التي صحبتني فيها أمي إلى بيت من بيوت مخيم المحطة لوداع إحدى النساء، تلك الليلة التي امتزج فيها هدوء الليل مع النغمة الحزينة والكلمة الحنونة، رغم براءة الطفولة، وجدت نفسي أشارك النساء في الدموع، ربما لأن الدموع الجماعيّة والنبرة الحزينة، وصمت الليل، ودموع أمي حملتني إلى إحساس غريب، شعرت من خلاله برغبة في البكاء.
وكلما اقتربت لحظة الرحيل ازدادت الأغنية وجعا، وارتفع صوت البكاء، فتقول:
يا زايِرِينِ النَّبي خُذُونِي بْمَحَامِلْكُمْ لا نِي حَـديدْ وَلاَ بُولادْ اَثَّقلِكُمْ
وانْ كان زِادي وْزِوَّادِي يْـثَقّلْكُم بَصُومْ لله وْيِكْفِينِي اْلنَّظَرْ مِنْكُم
فهي تطلب أن ترافق الحجيج، تعدهم أن تكون حملا خفيفًا، فهي ليست من الحديد أو الفولاذ تعيق الحركة، وإن كان الثقل من الطعام والشراب فإنها ستصوم لله، إذن هي لا تريد إلا مرافقة الحجيج والنظر، وهذا يكفيها الجوع والتعب.
وفي صبيحة يوم الرحيل، يخرج أقارب الحاج إلى أماكن الانطلاق حيث تتجمع قافلة الحجيج التي كانت في الماضي مجموعة من الجمال، وفي الخمسينات والستينات كانت وسائط النقل بواسطة (تركّات المرسيدس) التي تنقل الخضار والفواكه وأشياء أخرى، فيتم تركيب الكراسي الخشبيّة وتصفيح الجوانب بألواح خشبيّة مع إحداث شبابيك صغيرة تسمح بدخول الهواء وتعليق أباريق الماء، وفي السبعينات أخذت الباصات الأكثر راحة وأمانا مكان (التركَّات)، تسير القافلة، في تلك اللحظات تغرق الأرض بالدموع، قد يطول الغياب، والعودة غير مضمونة، لذلك كانت عبارات الوداع، (اللقا نصيب) وتسير القافلة، فيزداد المكان حزنا ولوعة، وترتفع مناديل الوداع بالأيادي، ويطيب البكاء.
أما أمير القافلة فكان يطلق عليه (مقوِّم الحجاج)، منهم في فترة الخمسينات الحاج زهدي سعد الهندي و أبو جميل المعاني وفي الستينات كان علي أبو حطب، وفي أواخر السبعينات كان الشيخ عبد الكريم شهوان والشيخ عبد الحليم حمد البدرساوي، ثم أصبح الحج فيما بعد عن طريق المكاتب.
***********************
***********************