صوت الخلود
........يوسف الطويل...........
كان زرياب الذي أخذ إسمه من الشحرور أكبر من
مجرد موسيقي كان ظاهرة كونية زمنية ، فبعد أن أوجد فنّ الموشحات ، كانت تقليعاته
وإلى الآن لا تزال تعتبر من الرقي والاناقة ، لقد إخترع زرياب طريقة خاصة في
الاناقة والإيتكتيك ، كل المطاعم الراقية في العالم تقدم الطعام على طريقة زرياب
طبق المقبلات الذي هو عادة شربة ثم الطبق الرئيسي الذي يحتوي على لحم أحمر أو أبيض
ليكون الختام بالفاكهة ، وحين تذهب لبوفاريك لتناول الشباكية ، أو الزريابية التي
حورت إلى زلابية ، فلا تنسى زرياب الذي علّم العالمين الشرقي والغربي الذوق
في كل مظاهر الحياة ، زرياب الذي أضاف للعود وتره الخامس ، وأبدع مقامات لم يسبقه
لها أحد ، كان ملهما لموزارت و بيت هوفن ، ومحمد عبد الوهاب
.
لم يكن لزرياب في ذاك الزمن صوت يماثله حتى
أستاذه إبراهيم الموصلي الذي حسده بعد أن أخذ بلبّ هارون الرشيد ، فاتجه غربا
وأقام في القيروان بين بني الأغلب وعاش زمنا في المغرب الاوسط والاقصى ، وبعدها
دخل الاندلس في عهد عبد الرحمان الثاني ، الذي رحب به وأعطاه ما يستحق من قيمة
مادية ومعنوية ، فتحولت الأندلس إلى منارة للتمدن والحضارة وفنون الحياة ، التي
طبعت حياة أوربا بعده إلى الآن .
لقد طاف زرياب في كلّ البقاع يحمل معه رؤيته
للحياة والوجود ، طاف بثقافته التي لا يحدها حدّ ، فدخل قلوب الخلفاء والملوك
ورجال الدين وعامة الناس ، فتحول إلى قدوة يقتدى بها كلّ من يطلب التمتع بالحياة و
مع هذا لم يسجلْ التاريخ أن مات بشر في حفلة من حفلاته ، لأنّ زرياب لم يكن صوتا
للموت بل كان زرياب صوت الخلود .
***********************
***********************