كازوراك-
ولادة قيصرية (قصة قصيرة)
بعد تسعة
أشهر من الإنتظار و بعد إنتهاء رحلة البحث عن زمرة دم زوجته التي أنجبت مولوده
الثاني بولادة قيصرية ، كان يظن أن الرحلة قد انتهت و لم يكن يدري أن رحلة العذاب
بين الإدارات قد بدأت لتوها.
حمل شهادة ميلاد ابنته التي انتظر أسبوعا لاستخراجها و بعض الأوراق
التي شرب عرقه كي تأتيه و اتجه إلى مكان يسمونه ( الكازوراك) كي يودع ملف عطلة
الأمومة فزوجته إن لم تضع هذا الملف، ستخسر حقها في تعويض راتبها الشهري عفوا،
(الصدقة الشهرية) التي كانت تتقاضاها.
حين دخوله، اندهش من مظهر هذا المكان فقد كان جميلا و منظّما( طبعا في
مظهره )، الآلة تنادي على المنتظرين كل حسب دوره ليلتحق بالشّباك الذي يقصده.
اتّجه نحو إحدى ( المكشّرات العبوسات ) اللّواتي لا يَبتسمن إلّا لمن
يَعرفنه، سألها بحُكم أنّه هناك لافتة أمامها مكتوبٌ عليها ( عطلة الأمومة، العطل
المرضية...) حتى رأى في خياله ...العطل الأبدية :
- السلام عليكم! صباح الخير سيدتي! لدي ملف عطلة الأمومة فزوجتي وضعت
مولودا، هل هنا يُودَع من فضلك؟
دون سلام ...لم تنظر إليه حتى و قالت :
- خذ قصاصة و انتظر دورك.
- سيدتي هل من الممكن فقط أن تراجعي الأوراق حتى لا أنتظر دون جدوى، إن
كان الملف ناقصا، أخبريني من فضلك.
- قلت لك أن تأخذ قصاصة و تنتظر رقمك و دورك ألا تفهم؟! ثم أنا لا أراجع
الأوراق إذهب إلى الشباك سيراجعون ملفك ( كأنها تقول أنا رب المقلة هنا)
نظر
إليها خائفا من أن تأكله، أخذ قصاصة عليها الرقم 177 و جلس منتظرا دوره.
بعد تمضية الصباح كله في الإنتظار، وصل دوره فنادت عليه الآلة و هو
يكاد ينام من النعاس : الرقم 177 إلى الشباك رقم 1
توجه نحو الشباك خائفا أيضا من المرأة التي كانت تنظر إليه من خلف
زجاج نظاراتها و كأنه وحش أتى ليأكلها.
- نعم! ماذا تريد؟
- لدي ملف عطلة أمومة زوجتي هل أضعه هنا؟
- هات الملف.
بعد أن أدخلته مختبر تحليلها المتطور جدا و بعد أن أجرت له عملية
جراحية، قالت :
- لم يذكروا أنّ الولادة قيصرية هل لديك شيء يثبت ذلك؟
- نعم فالتقرير الطبي موجود أمامك سيدتي و مكتوب عليه ( césarienne) المشكلة حتى الطبيب كتبها بالخطأ!
فردت عليه : ينقصك كشف حساب بريدي يجب أن تستخرجه ثم تعال إلى هنا.
عاد المسكين خائبا إلى منزله و هو يعلم أنه صباحا، يجب عليه أن يلتحق
بمجالس التعليم فالدخول المدرسي على الأبواب.
صباحا و بعد انتهاء مجالس التعليم، ذهب مجددا إلى ( الكازوراك) عفوا (
الغاز و العراك) دخل، استل القصاصة كالعادة و كأنه يستل روحه من العلبة ثم جلس في
انتظار دوره كعادته.
هذه المرة كان الرقم 195 ...جلس و هو يعلم أن دوره لن يحين فقد وصل
على الساعة 11 بالضبط...
بعد ساعة، أقفل المقر.
عاد على الساعة الواحدة و النصف و جلس فنادت الآلة: الرقم 110... يا
له من يوم.
120...130...140...150...توقفت الشبكة عن العمل في تمام الساعة الثانية و النصف بعد الزوال
فهذه عادة الشبكات في منطقته.
كان يظن
أن ما يسمونه ( الرّيزو ) سيعود لكن كما يقال : لا حياة لمن تنادي...
جلس طويلا آملا في عودة هذه الشبكة للعمل و لكنها لم تعد كما هي حال
الموظفين الذين تفرقوا فرحين بتوقف العمل.
بعد لحظات قال الحارس : إخوتي...إنها الرابعة و النصف... سامحونا ما
باليد حيلة، تفضلوا اخرجوا من فضلكم ...كما أتيتم ( راح نسيّْقو)
في اليوم
الموالي، عاد من جديد بعد صباح استقبل فيه تلاميذه الذين كانوا فرحين بأستاذهم و
لأن أستاذة الإنجليزية قررت جمع فرق الأعمال الموجهة انتهز الفرصة ليعود من جديد،
إلى ( الغاز و العراك) هذه المرة، كان الرقم 126 .
جلس ينتظر دوره كعادته 102، 103، 104...الساعة منتصف النهار إلا الربع
و هذا وقت الغداء...
موظفة من موظفات الأكشاك تخرج أمامه مختلسة ربع ساعة من وقتها.
نظر إليها و لسان حاله يقول : "تاكلي السم".
الآن الساعة منتصف النهار إلا خمس دقائق.
قال أحد موظفي الأكشاك : أفف تعبت، عودوا مساءً فقط ملاحظة بسيطة :
هذه الجملة كان يرددها منذ وصوله.
هنا أدرك
المسكين أنه كي تودع ملف عطلة أمومة في الجزائر يجب أن تنتظر لمدة تسعة أشهر في
الغاز و العراك حتى يصيبك ضغط الدم و أن تضع ملفك بولادة قيصرية...تماما كزوجتك.
أليس هذا
بلد المساواة بين الحقوق؟
فريد
مرازقة - 3 سبتمبر 2019
بريش - عين البيضاء
الجــزائـــــر .
***********************
***********************