الأدب والعدالة والقانون
غريب أمر
الأدب ما من يمر يوم إلا يكتشف الثقف اللقف , بأنه لم يترك صغيرة وكبيرة إلا
أحصّاها , بل وجدته شريكا إن لم يكن احد مكوناتها.
الدراس لسوسيولوجية الأدب والناقد ( ألفا- بيتا- جاما) أي النقد ونقد
النقد ونقد نقد النقد , يجد أن النص الأدبي لا يختلف عن نظيره النص القانوني
التشريعي مادة ورقما ونصا تفريريا وتطبيقا ونقضا...
ولما كان النص الأدبي الجيد , اللفظ الجيد بالمعنى الجيد قائم اساسا
وأسا على العدالة الشعرية بكل تجليات العدالة , سلطة تشريعية وتنفيذية , بل متهمين
وقضاة ومحامين ومحلفين.
ولما كان النص الأدبي الجيد لذى الكاتب والقارئ على طرفي قضية
متلازمين , ذاك يعني ان العدالة الشعرية داخل النص ذاته بلغت من النزاهة مبلغا
يليق بالذائقة الابداعية لذى الكاتب.
ولنا بأهم قواعد المسرح الكلاسيكي التقليدي فدوة وعبرة , حين نصّت أهم
قواعده على القانون لا يجب ان يكون مناهضا للعدالة الشعرية.
فالنص الروائي المخطط له سلفا والمهندس له حتما سيحقق مبدأ عدالة ,
حين يمسك الرجل الفنان...الرسّام...الناحث...الموسيقي...الممثل...
الراقص بالحياة , ويعيد توزيعها حسب قاعدة الغناء وعدالة الرقص كما تقول الحكمة
الزنجية (هامباته أمبا).
اذن ليست وحدها العدالة والقانون بمستقلين عن الحياة , بل هما الحياة
, لذا اذا كان القاضي احيانا يلجأ الى روح القانون ويلجأ الى المحلفين والى
المحامين والى المرفق القضائي , نفس الشيئ نجد داخل النص , وكأن القدر يقود شخوصه
الى العدالة حتى خارج ارادة الكاتب او عكس اهوائه وميولاته ورغباته , فالكاتب الذي
يلجأ الى دموعه الأخيرة كنعوه ( الكاتيرسيز) الفني , رغما عليه لا بطل , فهناك قوى
غيبية قادت الجميع ال العدالة الشعرية بما فيهم الكاتب والقارئ الى انسياق قانوني
خالي من العاطفة التي جبلت عليها البشر , فقادت هذا البطل الى السجب , وذاك الى
ذفع ضريبة , وذاك الى البراءة , وذاك الى احكام مشددة واخرى مخففة.
ان الفن الجيد كما يقول ( ستانسلافسكي) المسرحي الروسي قائم على
النسبة والتناسب , أي بالأخير على القانون والعدالة , وتبقى نزاهة النص (....) من
نزاهتهما.
لقد صدقت الإغريق قديما حينما نعثت شعراء الدراما التراجيديا المأساة
الثلاث ( صوفوكل - يوريبيدس- اسخيلوس) بالقضاة.
اليهم وحدهم هؤلاء الثلاث تعود اليهم التقاضي بالنصوص الشعرية الجيدة.
العدالة الجيدة هي من تأسر في هلع ساحر آسر القارئ المحلف , وتجعله
بدوره يصدر احكاما قضائيا وفي نفس الوقت هي احكاما نقدية أدبية , وبموجبه يصير
شريكا بالفعل القضائي التقاضي. يجمع بين النص القانوني والنص الأدبي.
كم هو عجيب وغريب أمر الأدب كما هو في مجتواه الذر فيه كامن , لا
افراط ولا تفريط , ينصف المظلوم حتى يأخذ له حقه , وحيث لا اجتهاد مع النص , يبقى
النص والمشرع والشرطي المنفذ مستترا او يحال الى الضمير شرطي الأعماق , حيث يحكم
المذنب على نفسه بنفسه , وحيث يحكم النص الأدبي على نفسه.
***********************
***********************