هل الأطفال مبدعون
=======العقيد بن دحو======
حدثني صديقي الأديب
حول ابنه مطولا , وهو لا يتجاوز السابعة من العمر , وحاول ان يقنعني عن بعد أن بنه
طفل حفاظة , يحفظ غيبا كل ما يسقط على حواسه الخمس. وحين ألتمس عنب بعد الشك
والريبة والاحتياط استدعاني الى بيته , على شرط ان اراقب ابنه من بعيد دون تدخل لا
لفظا ولا لحظا ولا اشارة.
كان لصديقي ما أراد
مجاملة وودا وتشجيعا وعلى اساس الثقة التي وضعها في.
إلا أني كنت أعلم
مسبقا و أنا الدارس والمطلع لمحتلف التيارات والمدارس والمذاهب والبيانات الفنية
والأدبية والثقافية وجقول ودروب الابداع , أن الأطفال ليسوا كذلك كما يتخيّل
الأولياء ولا سيما الأمهات بحكم الميل العاطفي للنساء بإتجاه ابنائهم وبناتهم.
دون شك أتفهم الأولياء لبعض الحالات التي تبدو شاذة , وتشط على القاعدة ,
لكن بالنسبة للرجل المختص ما هي إلا بعض السحابات التي تجوب مخيلة الطفل , كونه
عضو فيظيولوجي لا يزال يتشكل.
كنت اعلم مسبقا وحتى لو بدت بعض بواكير الموهبة تطفو على السطح إلا ان
الطفل لن ولم يكن مبدعا على الإطلاق , وعلى الأولياء ألا ينجرون ولا يسقطون في فخ
اللعبة الوجدانية والاعجاب المفرط الكاذب.
صحيح تقول الدراسات السوسيولوجية بجميع دروب الابداع , الطفل - من حيث
الطفل أبا للرجل والطفل أبا للإنسان - كما يقول علم النفس , يبدأ موهوبا وينتهي
نابغة إلا حسب التيار والمذهي والمدرسة السيريالية لا نسمي الطفل مبدعا إلا اذا
تجاوز مرحلة الحلم....الى مرحلة الشعر....الى مرحلة الفكر....الى مرحلة
النقد...الى مرحلة نقد النقد.
فالطفل الصغير حالما بالمقام الأول سواء حفظا او غيره , سواء كان يكتب او
يرقص او يغني او يعزف او يرسم....الخ. لا يسمى كذلك إلا اذا تجاوز السن 18 , اما
فوق هذا السن تبدأ الموهبة تتشكل الى ان يتجاوز السن 20 - 25 أين يصير شاعر او
كاتبا او روائيا.... وما هو اكبر يصير ناقدا او مفكرا او نابغة الى ان تأتي مرحلة
الصمت الابداعي , نحن كالببغاواة نتبكم عندما نشيخ كما يقول الشاعر لوركا.
اذن علينا ألا نبالغ فيما ظهر من ابنائنا مبكرا فهو لا يعد إلا ثمرة غير
ناضجة تحتاج الى العمر الفيزيولوجي.... والى العمر المدرسي... والى العمر
الثقافي.... والى العمر الفني.... والى العمر الاجتماعي.
ولدعنا ننتظر ونترقب كل هذه المراحل العمرية حتى اذا ما بلغ أشده وتجاوز
مرحلة الحلم الى الشعر فما اكثر سمينا الأسماء بمسمياتها , وكا يوجد اقتصاد كاذب ,
ورجال اعمال كاذب , ورأس مال كاذب , وحمل كاذب توجد ايضا مواهب كاذبة سرعان ما
تتبخر الأحلام الوردية التي بنتها الأسرة عاطفيا ووجدانيا حول فلذات كبدها وهي
بالأصل ليست كذلك وبعيدة بالمرة.
قد نتفهم الأسر , وقد نتفهم حجم ضغط وسائل الاعلام الخفيفة والثقيلة
التماثلية والرقمية , وكذا البربجندا والدعاية المرضية التي تصدرها لمختلف الأجيال
, وندرك جيدا حين يذوب ويتخفى الاستغلال المالي والمادي وحتى الايديولوجي والسياسي
وراء الاستغلال الفني والجمال. ويصبح هذا الابن مهووس بهذا الداعية...او بهذا
اللاعب...او بهذا المغني...او بهذا الرسام...او بهذا الموسيقار....الخ لكنه بالأصل
لن يكون . فالاعجاب لا يصنع موهبة ولا ابداع وانما المراس والتدريب , وترك الأطفال
يعيش طفولته بلا اكراهات اعلامية اعلانية, وضغوط أسرية اجتماعية والنفخ بالأوداج
الكاذبة.
كنت طفلا ذات يوم , وكنت يافعا , وكنت مراهقا مارست كل انواع الفنون , لكن
ان تكون مبدعا بسن دون 18 كلام .........!
***********************
***********************
