تونس
والشاعر الروماني فرجيل
العقيد بن دحو
كم سعدنا
البارحة ونحن نتابع تألق ونجاح الإخوة التونسيين , ذاك الجار الجنب والجناح
الشمالي , الذي يكتمل طائر فنيق الدول المغاربية , في فسيفساء تحليق وطيران سماء
الحضارة والتألق.
ونحن نتابع هذا النجاح السياسي الذي ابهر العالم , ليس في ميدان كرة
القدم كما هو مألوفا الى درجة الهيستيريا عند العرب عموما , وانما تلك التيمات والهمسات
واللمسات المقتطفة من اللحظات المسحورة ومن عبق التاريخ , بل ما قبل التاريخ.
صحيح البارحة وبما يشبه الدراما الاغريقية والرومانية القديمة , تنافس
رجلين على كرسي الرئاسة التونسية , رجل خارج من التقاعد الجامعي والأخر من السجن ,
ومع هذا الشعب التونسي العظيم كرم الرجلين و أعاد الاعتبار للرجلين حتى ان مسهما
الكبر عتيا , ولم يفقد للود السياسي والتألق قضية.
وأنا اتابع قصة نجاح الرجلين المتنافسين , كنت أتابع تاريخ أمة بأكمله
من زمن الرومان الى يومنا هذا , الى تلك اللوحة الفسيفساء التي ووجدت بتونس
العظيمة , تجسد واقع حال الشاعر الروماني ( فرجيل) وهو يسلم أوراق ( الإنيادة)
للإمبراطور الروماني , فيها ما فيها من الوصايا القانونية.
تصور هذه اللوحة وطولها 1،4 متر وعرضها 1،38 متر الشاعر “فيرجيل” وهو
بصدد قراءة الإلياذة أمام الامبراطور أوغيست، ويبدو الشاعر الروماني مرتديا جلبابا
أبيض، مطرزا ومحاطا بملائكة الإلهام، وبين يديه ورق كتبت عليه مقاطع شعرية من
“الإلياذة”: «يا ملائكة الإلهام ذكريني لأي سبب قولي لي لاي انتهاك للحقوق المقدسة».
وبوبليوس ورغيليوس مارو أو فيرجيل، هو شاعر روماني ولد في العام 70
قبل الميلاد بالقرب من قرية مانتوفا الايطالية، وترعرع في مزرعة بالشمال الايطالي،
ونال شهرة كبيرة بعد كتابته للمجموعة الشعرية «قصص ريفية» أو «اكلوغاي» في حدود
العام 39 قبل الميلاد، ثم وبعد 10 أعوام كتب «العمل في الارض»، وقد روت قصيدته
«الإنياذة» قصة اينياس الفارّ من جحيم حرب طروادة وفق الميثولوجيا الاغريقية،
والذي وصل الى الجزر الايطالية، حيث أسس أحفاده روما، وقد توفي فيرجيل في العام 19
قبل الميلاد، قبل أن تتم كتابة القصيدة التي كانت بحجم 12 كتابا، والتي كانت أشهر
ترجمة لها من قبل الشاعر الإنجليزي جون دريدن، الذي عاش في القرن السابع عشر.
يذكر أن لوحة فسيفساء “فيرجيل” تعد أقدم صورة واقربها شبها به، وقد
عثر عليها سنة 1896 في موقع بحضرموت القديمة (مدينة سوسة حاليا) في تونس.
هنيئا للأخوة التونسية , التي عرفت كيف تحافظ على اللوحة الفسيفساء
الفنية للشاعر فرجيل والتي لا تقدر بثمن , والتي من جهة أخرى عرفت كيف تحافظ على
سلمية التحول الديمقراطي , وعرفت كيف تخرج من تثنية الفعل الدرامي السياسي ونقيضه
الى بر الأمان. سائلين الله أن يكتمل ظائر الفنيق المغرب العربي ويخرج من رمادة
إليادة من الإليادات او إنيادة من الإنيادات او أوديسة من الأوديسات او شاهنامة من
الشاهنامات او مهابهارته من المهابهارتاه أو أي ملحمة شهدتها وعرفتها البشرية في
مجرى الزمن او مجرى التاريخ , او أن الشعب المغاربي يصنع ملحمة خاصة به أروع و
أجمل من كل هذه الملاحم الفسيفسائية وغيرها السياسية الاجتماعية الثقافية
الاقتصادية الشاملة.
هنيئا من جديد لتونس الشقيقة والعقبى للجزائر يا رب , وهي مهد وصلب
ومركز ثقل ومحور الفسيفساء منذ ما قبل التاريخ الى عمر راسم .
***********************
***********************
