الأربعون الشوقية ..
حمدا لربي وبعد : فهذه أربعون من كلام أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله ، انتقيتها قنصا من متفرقاته تواليفه ، تحمل جمال المبنى والمعنى والله المعين :
1/ ليسَ الجمال بلمحة
العيون, لا ببريق الثغور، ولا هَيَفِ القدود، ولا أَسالة الخدود، ولا لؤلؤ الثنايا
وراءَ عقيق الشفاه، ولكن شعاعٌ عُلْوِيٌّ يبسُطُه الجميلُ على بعض الهياكل
البشرية، يكسوها روعةً ويجعلها سحرًا وفتنةً للناس.
2/ من نقد على حِقْدٍ
احترق، وإن ظنَّ أنه حَرَق، ومَن نقَدَ على حسدٍ لم يَخْفَ بغيُه على أحد، ومَن
نقَدَ على حبِّ حابى وجمح به التَّشيُّع.
3/ ليلة القران .. هي
عيد الدهر، بل ليلة القدر، لا بل هي العمر، لمحبَّيْن كَثُر ما أساءَ إليهما
الأيام، وعاشقَيْن رَوَّعهما البَيْن، وضربتْهما النَّوَى بحُسَام، فلا عجب إذا
ولدتِ الطَّرَب، وأنالت طيبة الأُنس متينَ السبب ..
4/ لا تخلِطِ الأعجامَ
بالأعرابِ تَحجِلْ — وقاك الله — كالغُرابِ!
وكلُّ ما لم يُرْمَ عن
قوسِ العربْ .. فليس في نبعٍ لهم ولا غَرَبْ
5/ .. وقفت أتأمل قبور
الملوك العظام، وأذكر عبثَ الأنام لا الأيام، وأعجب للأهرام — وهي من عمل الأسرة
الرابعة، وبنيانُ المصريِّ في أول عهده بالحياة وبداية دخوله في الحضارة — كيف
رسخت في الأرض رسوخَه في العلم، ووقفت للدهر وقوفه في الفن، وكلما تأملتها جزتني العِبرة
عن النظرة، والعظة عن اللحظة؛ فرأيت النعيم كيف يزول، والحال كيف يَحُول، والدولة
كيف تَدُول، والمُلْك الكبير إلامَ يَئُول ..
6/ استعظام رؤية
الأجرام من خلائق الصبيان .
7/ الصغائر.. تقتل
النفوس، وتطفئ نور العقول، وما اشتغل بها شعب إلا هلك حَيًّا..
8/ جرت العادة بين الناس أن
الضعيف لا يزال يرمي القويَّ بالبغي حتى يصير ذا قوة مثله فيطغى مثل طغيانه،
والفقير لا يزال يتهم الغنيَّ بالجشع حتى يَثْرَى فيصبح هو الأجشع..
9/الخرافات يا بنيَّ وُجدت مع
الإنسان منذ البداية، وسوف تصحبه إلى النهاية، ولو بلغ من المدنية أقصى غاية ..
10/ خُلق الإنسان من
ضعف، فكان الوهم أول دينٍ دان به، وأول حكومة دان لها، وأول شيطان سكن إليه. كان
على وجه الدهر يستقبل المجسمات ويتخذ منها آلهة يسجد لها، ولا يزال آخر الدهر
يتوجه إليها بالتأليه والتقديس والتنزيه ..
11/ الأمة تصح ثم تعتل ثم تصح؛
تتجدد من حيث تبلَى، وتقوم من حيث تسقط، وتصح بالعلل ..
12/ إن للعقل كما للقدم
زلة، وإن للحليم كما للجاهل ضلة، وإن النفس مع الهوى مائلة، والعاقل من إذا مال مع
النفس اعتدل..
13/مَن دَرَسَ التاريخَ أو مَن
دَرَّسَهْ .. يمضي الزمانُ وهما في المدرسهْ
لا يبلغان في الكتاب
غايهْ .. ولا الكتابُ بالِغ النهايه
14/ إن الأسد إذا أقعده
الهرم ناشته الذئاب كإحدى الرمم، وإن الباز إذا خفضت رأسه الدهور توثب على مِنسَره
العصفور، وهكذا الأمة لا تغني عنها الفضائل جمة، إذا هي لم تجعل الشجاعة رأسها،
ولم تستحضر في الحرب والسلم قوتها وبأسها ..
15/ الذي يميز علماء
هذه الأمة على غيرهم، ويجري بهم إلى الغايات، ويكفل لهم السبق، ويجعلهم أساتذة
وقتهم، ومصابيح عصرهم، أنهم يطلبون العلم لذاته، ثم لأنفسهم، ثم للأحادث من بعدهم؛
وهذه الثلاثة ما قامت بنفس طالب علم ورُزق الحِجا والذكاء وفُسحة الأجل، إلا نبغ
في حياته، ثم جاوَزَ ذلك إلى رتبة الخلود بالذكر بعد مماته ..
16 / مُحبُّ العلم يطلبه لذاته،
وهذا أول التوفيق في طريق التحصيل، وسبب النجاح الأوثق؛ لأن النفس حيث رضاها، وحيث
يجعلها هواها؛ ومن رضيت نفسه بالعلم قسمًا من أول يوم، وامتلأ فؤاده من حبه، أقبل
عليه وضنَّ به وانقطع له، وألفى التعبَ راحةً في تحصيله، واستوى عنده السلامة
والعطب في سبيله، ثم لا يلبث العلم أن يُعرِّفه قدرَ نفسه، وأنه ما خُلق في هذا
التقويم سدًى، ولا ساد نوعُه على هذا الوجود عبثًا، فتأخذه من ذلك عزة بالحق،
وتنزل نفسه في عينه منزلتها الحقيقية، فيطلب العلم لها، ويستكثر منه لأجلها، ويجري
فيه إلى الغايات في سبيلها ..
17/ قاوِموا الظالم ولا
يغرَّنكم ما ترون من قوَّته وبأسه؛ فمثله كالأسد: لا يزال يفترس حتى تفترسه
نهمته..
18/ نعمت الدنيا لو لم
تزُل عن الخلفاء، وتئُول إلى الملوك والأمراء؛ وحبذا الدين لو سلِم من عبث
الفقهاء، وعيث الجهلاء..
19/ لو طُلِبَ إلى الناس
أن يحذفوا اللغو وفضول القول من كلامهم، لكاد السكوت في مجالسهم يحلُّ محلَّ
الكلام. ولو طُلِب إليهم أن يُنَقُّوا مكاتبهم من تافه الكتب وعقيمها، وألا
يدَّخروا فيها إلا القيِّم العبقريّ من الأسفار؛ لما بقي لهم من كل ألف رفّ إلا
رفّ..
20/ ما أقبح الكِذْبَ
على الرُّفاتِ .. والكِذبُ من أراذِلِ الصفاتِ
من غشَّ نفسًا جَمَع
المظالما .. ماذا ترى فيمن يغشُّ عالما؟
21/ عجبًا لكم معشر
المصريين، أنتم أمة التاريخ وليس لكم فيه كتاب! هلَّا تشبهتم بآبائكم الأولين!
فلقد كان الواحد منا أحرص الناس على حديثٍ بعده يؤبِّده في حجر يُشيده، وذكرٍ مع
الزمن يخلده، في أثرٍ ينضده؛ وكان أحب الأعمال إلى ملوكنا وضع التاريخ وتدوين
السِّيَر، لعلمهم بأن التاريخ دليل الأمم، ومرشد الشعوب، وإن قومًا لا يعرفون
ماضيهم لا يكون لهم بحاضرهم اعتناء، ولا في آتيهم رجاء، أليس عارًا عظيمًا على
الشرقيين، وفيهم اليوم العالم الذكي، والكاتب الألمعي، ألَّا يعلموا من سيرة
«الأمير عبد الرحمن» المتوفى بالأمس، غير ما تنقله صحف الغربيين ومجلاتهم..
22/ إذا اشتغل الحليم
بالسفيه شارف على السفاهة، وإذا اشتغل العالم بالجهول شارف على الجهالة، وأكثر ما
ينتشر السفهاء والجهلاء، وأشد ما يكون إفسادهم وإيذاؤهم في الأمم وهي في بداية
نهضتها؛ فمثلها عندئذٍ كالأنهار الكبيرة في أزمنة الفيضان: تسوق الأقذار فتساق
بتيارها، ويختلط الخبيث بالطيب، ثم لا تلبث أن تلفظ الفاسد وتستبقي الصالح، فينصلح
الماء وتفيض الخيرات على البلاد والعباد؛ فلا يثبطن لئامكم كرامكم، ولا تلقوا
للصغائر مما يحدِثون بالًا ..
23/ الحياة ربما كانت
أسرع جريًا بالأمم منها بالأفراد ..
24/ يا أيتها الفتاة
المُدِلَّة بصباها، المزهوَّة بحسنها : اذكُري أن الجمال حُر طليق إلا من
قَيْدَيْن كلاهما أجمل منه: الشرفُ؛ والعَفَاف؛ إذا انسلَّ منهما عَثُرَ في خطاه
الأولى، وذَوَى في إبان النضرة..
25/ هل دولة الحسن إلا
كدولة الزَّهَرْ، وهل عُمر الصِّبا إلا أصيل أو سَحَرْ، وهل غيرَ الأمومة تاجٌ
للمرأة تلبسه من مختلف الشعر ألوانًا.؟؟
26/ الطَّلاَقُ أزمةٌ
تمنعُ أزَمات، وملِمَّةٌ تدفع مُلِمَّات؛ دواءٌ ساءَ استعمالهُ فصارَ هو الداء،
ودِرْعٌ للتوقِّي عادتْ آلةَ اعتداء ..
27/ بعضُ الصْبرِ
تجَلُّد، وثَمَّ الحزْمُ والرِّضا؛ وبعضٌ تبَلُّد وهنا العجزُ والاستِخْذاء ..
28/ كن كرُبَّان
الباخرة: ملأها فحمًا، واستوثق من استقامة إبرتها، وسلامة آلاتها، وكمال أدواتها،
ثم خرج بها إلى عالم الماء غير آخذ موثقًا على الرياح والأنواء، ولا في يده صك
بالوصول من القضاء..
29/ متى احترم الإنسان
عمله تولَّد عن هذا الاحترام حب العمل، وهو سر النجاح ..
30/ ومن يَقُمْ بمُلكهِ
الجديدِ .. يَقُدْه بالحرير والحديدِ
31/ إياكَ والمُؤرِّخَ
المِقَصَّا .. ما كلُّ مَن قصَّ فقد تقصَّى
وقدِّمِ المُعبِّرَ
المُبينا .. تجدْه في مَظلمَةٍ مبينا
32 / أروعُ الشهرة ما
طار في سمائه، وأَمْتَعُ الصيت ما سار تحت لِوائِه، وأحسنُ الثناء ما أُتي في
أثناءه .. ـ يعني زمن الشباب ـ
33/ حبّ الوطن والتفاني
في سبيله سجية كل نفس كبيرة. وقد أوحت هذه العاطفة بأعظم ما حفظه لنا التاريخ من
المآثر وجليل الأعمال، وأبلغ ما جادت به القرائح من روائع الآيات والأقوال..
34/ الوطنُ لا يَتِمُّ
تمامُه ولا يَخْلُص لأهله زِمَامُه؛ ولا يكونُ الدارَ المستِقلَّة، ولا الضَّيْعَةَ
الخالصةَ الغَلَّة ..حتى يُجيل العلْمُ فيه يَدَ العمارة. ويجمع له بينَ دُولاب
الصِّناعةِ وسوق التِّجارة.
35/ الظلم جِدارٌ
مُتداعٍ أَكْثَرُ ما يتهدَّد، حين يَهُمَّ أن يَتهدَّد، هو غدًا خراب، وكوْمةٌ من
تراب، نارٌ مُنقطِعَةُ المَدد، وإن سدّت الجَددَ، وملأت البلد، يأكُل بعضها بعضًا
كنار الحسد.
36/ المال ..المحروم من
أوْثَقَك، والضَّائع من أطْلَقَك، وهما فقيران: مَنْ جَمَعَك ومَنْ فرَّقك؛ كثيرُك
هَمّ وقليلُك غمّ..
37/ الغد .. تنام
الأنفس وفي إيمانها منه شَكّ، وفي أيْمَانها منه صَكّ، فاعمل له ما استطعت، وانتظره
أتى أم لم يأت؛ وقل سبحان الذي أتى به، والذي هو قادرٌ على طَيِّ كتابه، يوم يأتيه
أمره، فلا يَبْرُزُ من حجَابه..
38/ الصلاة .. انْظُرْ
جلالَ الجُمَع، وتأملْ أثَرها في المُجْتَمَع، وكيف ساوَتْ العِلْيةَ
بالزَّمَع؛مسَّت الأرض الجبَاه، فالناس أكفاءٌ وأشباه، الرعية والوُلاة، شَرعٌ في
عتبةِ الله؛ خرَّ الجمعُ للمناخِر؛ فالصفُّ الأوَّلُ كالآخِر، لم يرفَع المتصدِّرَ
تصدُّرُه، ولم يضع المتأخِّرَ تأخُّرُه..
39 /الصَّوْمُ ..
حِرْمَانٌ مشْرُوع، وتأديبٌ بالجوع، وخُشُوعٌ لله وخُضُوع، لكلِّ فريضةٍ حِكمة،
وهذا الحُكْمُ ظاهرُه العذابُ وباطنُه الرحمة، يستثير الشفقة، ويحضُّ على
الصَّدَقة؛ يكسِرُ الكِبْر، ويُعلِّمُ الصَّبر، ويَسُنُّ خلال البِر؛ حتى إذا جاع
مَنْ ألِفَ الشِّبَع، وحُرِمَ المُتْرَفُ أسباب المُتَع، عَرَفَ الحِرْمَانَ كيف
يقع، والجوعَ كيف ألمُهُ إذا لذع.
40 / وكلُّ حُسنٍ كامنٍ أو بادِ
.. أودعه الله اللسانَ البادي
هذَّبه العَرضُ على
الأذواقِ فيما يُقيمُ القومُ من أسواقِِ
يُنظر = شيطان بنتاءور
/ دول العرب / أسواق الذهب / مصرع كليوباترا..
وصلى الله وسلم على
نبينا محمد ..
أبو المعالي الظاهري