اللائكية(العلمانية)في الأدب والفن و الثقافة
العقيد بن دحو
منذ البدء - ان صحت الكلمة التي كانت بالبدء-أن
أدلجت الأدب والفن والثقافة , أي أحالة هذه القيّم الإنسانية الجميلة الى
الإيديوبوجية غير مستصاغة , ولا تقبل القسمة على أي عدد صحيحا كان أو معتلا.
وجدلا سلمنا بالكلمة , غحتما تكون الفكرة ,
والفكرة الواقعية الطبيعية و مهما اجتهد الباحثون والنقاد والمفكرون على فصل الأدب
و الفن و الثقافة عن الدين (....) سيكون دربا من المحال , بل ومن الجنون , ومن تمة
لا بأس : ان كنا عقلاء وطلبنا المحال . او كما يقول المثل الفرنسي الثوري.
وحتى ان لم يكن الأدب والفن والثقافة دينا , ولو
لم يكن 'ى هو نفسه.
أن أول أديب جرد الأدب من طابعه الديني , ومن
قرباه الثقافية , ومن مصلاه (.....) هو الكاتب الأديب , الرسام , النحاث , المسرحي
, السينمائي , المخرج الفرنسي (كوكتو)/(Le coq)
.
هذا المؤلف الفرنسي العبقري من أستطاع أن يجمع
بين رؤوس مثلث : المؤلف - الممثلين - النظارة , ويجمع ايضا بين زواياه الثلاث :
الساحر - الأرنب - و المشاهد الطفل .
وكيف لا وهو من جرد التحفتين الخالدتين
المأساتين التراجيديتين (أونتجون) و ( أورفيوس) الدينيتين ( الألهة , وانصاف
الألهة و الأبطال) الى قيمتين ساحرتين لائكيتين/علمانيتين.
- أولا : أونتجون : 1922 أين قام فيها بدور
الكورس او الجوقة , وجعل ثغرة بوسط الخشبة يتردد من خلالها دور كوكتو
- ثانيا .أورفيوس : أورفيوس/Orphèe 1926.
كما قام بإخراج العديد من التراجيديات الإغريقية
الدينية و الشبيه بالدينية , التاريخية والشبيه بالتاريخية , واخضعها الى متفاعلات
درامية كانت مخرجاتها علمانية لائكية , بعد أن خلص الكلمات والترديدات والترنيمات
الدينية من ابجدياتها السماوية المقدسة , واخضعها الى الكلام الوضعي البشري , (
الواجب) منه غير المقدس , حيث الخطأ أصيل ووارد بالذات البشرية لفظا و لحظا واشارة
وفعلا , يمكن التقليل منه لكن لا يمكن القضاء عليه.
لقد سمى كوكتو الشعر اجمالا بالسر العلماني
اللائكي , كون الشاعر , شأن السيميائي و المنجم , أدواته السحرية و ألاعيبه
العجائبية. غير أن المعجزة القصوى التي تحققها القصيدة هي في تحقيق اكتفائها
الذاتي. فالكلمات تفقد معانيها و مضامينها المألوفة إذ تنفصل عن العالم الذي نشأت
فيه ( الديني) أول مرة. اذ تقطع كل القيود التي تشد بها الى الوراء. آنذاك تصير
قادرة على أن تصعد نحو ماهيتها , صعودا افلاطونيا ( اللغة وسيلة وليست غاية) ,أدنى
من شكلها الأصلي , وميلودراما رومنطقية.
هذا هو المؤلف الشامل كوكتو من كانت له قصة دراتورجيا
مع ( الديك) الحيوان الطائر , أن يساقل بالأدب , و أن يجعل الأدب والفن والثقافة
مستقلا عن كل نزعة دينية كانت بالبدء , ور لاسيما تلك النصوص الإغريقية الذي غربها
و أبعدها وعزلها وشط وعط ومط بها غن ألهتها , وجعل من اللعبة المسرحية المحاكاة
حرفة فير دينية لائكية علمانية.
عموما الكتابة ليست حزبا ولا جمعية سياسية ,
يمكن فيها أدلجة الدين واحالة الدين الى الإيديولوجية.
أن الفن عموما قائم بالمقام الأول عن الإعجاب ,
وبالتراكم يصير هذا الإعجاب نصف جنون ثم دين , أو الشعر سحر صوفي مقترن بالصلاة
(سوزا) , ان بعض الفن و الأدب والثقافة دين , وبعض الدين فن و أدب وثقافة , ومع
ذلك عندما نجد العشرات من ( الحجيج) يحجون الى الأروقة العالمية من أجل أن يطلعوا
ويشاهدوا لوحة فنية أو منحوثة أو قطعة موسيقية أو عرض مسرحي أو ليشاهدوا فيلما ,
لكن لا يكتفي بعضهم بالعرض و المشاهدة الساحر و الأرنب والطفل , انما حينما
يبالغون و يشترون هذه اللوحة أو تلك بالملايين من الدورات.
لوحة فنية ( فصل في الجحيم) لبيكاسو او غوغول لا
يدخل الجنة , ولا يمنح ضكوك غفران , ولا يعد مؤمنا بفردوس أعلى أو أدنى و مع ذلك
الناس تشتري , الجنون ملح العقل.
فصل الدين عن الأدب أو الفن او الثقافة لا يمكن
تفسيره إلا بتلك المقولات الساخرة العامزة الغامزة :
للشيوعيين روسيا . و للطبيعيين التجريبيين
ألمانيا , وللفضائيين امريكا , فإن لللائكيين الله !.
أو كما قال (رامبو) :
الى السيرياليين تعالوا لتروا أحلامي
الى رجال الدين تعالوا لتروا سقوطي
و الى جميع الناس لا أعرف ماذا أقول .
ونحن اليوم أما هذا الأدب اللاديني ولا انتماء
لا نعرف ما ذا اقول , وفي نفس الوقت هم عندما يبدعون ويخلقون , ويزرعون السر
والسحر والعجب بالقصيدة وغيرها سيكون هذا الصوت هو من صوت الإله , حتى اذا ما تعلق
الشعب ( الجمهور ) , ( النظارة) صار قانونا او كما قالت الإغريق , والهروب من
الدين دين في حد ذاته و العبادة واحدة , والحرفة واحدة , والمرّاس واحد ,
والمزاولة واحدة , ولا بد بالأخير مة العقاب والثواب بالمعنيين الديني والدنيوي و
إلاّ ما جدوى الحياة , مادام الفن سابق عن الحياة.