سوق بودة و الثقافة و الناس
العقيد بن دحو
-
*"أنا أعرف جمهوري لذا أنا أكتب"/ (rebera iscarpipe) .
عرف العالم العربي و أشتهر بكثير من الأسواق ,
ولطالما ارتبطت هذه الأسواق بنشر الكلمة والفكر و الثقافة والفعل.
وكما عٌرفت الجزائر بأسواق عتيقة كسوق العلمة ,
وكسوق الحراش , وكسوق قرقيطة بوهران و المدينة الجديدة , وسوق الموقار بتندوف ,
وسوق بودة بولاية أدرار. و أيضا العالم.
غير أن سوق بودة اليوم بولاية أدرار يختلف كلية
عن أي سوق , بغض النظر عن حال و أحزال الناس و القدرة الشرائية لكل واحد منهم ,
ويغض النظر عن ارتفاغ و انخفاض اسعار بضائع السوق الخارجة عن نطاق كل واحد من (
الزبون) و ( التاجر) وسائر الجماعات التجارية الأخرى......
كم سعدت اليوم و أنا انتقل الى سوق بودة , الخاص
ببيع الخضر بكل أنواعها المحلية و تلك القادمة من مدن الشمال الجزائري أو ما يطلق
عليها مصطلح / (les pneaux) نسبة الى تلك الشاحنات التي تنقل هذه الخضر
والفواكه وحتى بعض اللحوم ومشتقاتها البيضاء و الحمراء , وكذا الخضر والفواكه.
كم سعدت و أنا أنتقل من تاجر الى تاجر , وكل ما
طرقت طاولة بائع خضر او فواكه أو لحوم , حتى يسألني عن كتاباتي القديمة و الجديدة
منها.
كم فرحت عندما وجدتهم يتابعون كل ما أكتب عبر
شبكات التواصل الإجتماعي , سشألونني عن احوال البلاد والعباد , عن أشياء في الأدب
و السياسة و الثقافة و الفن والجمال , وعن الخرافة و الأسطورة اليونانية.
بل جعلت واحد منهم كل ما قابلني كل ما ألقى عليّ
ما يحفظ من متن و أشعار منظومة ومنثورة , يذكرني بجل أساتذته بالإبتدائي وبالتعليم
المتوسط , والى أخر ما توصل اليه مستواه الدراسي.
كم اسعدتني هذا التجوال بسوق بودة اليوم ,
وذكرني بسوق عكاظ , يوم كانت العرب لا تكتفي بتعليق البضائع , بل بالمعلقات
الشعرية الطوال الملحمة التي يشاد فيها بموت اة يحياة بطل عربي قديم او مخضرم.
اليوم تيث الي تلك المقولة : يوجد بالنهر ما لا
يوجد بالبحر , سوق بودة لم يعد بعرض البضائع الإستهلاكية البافلوفية , وانما غذاء
روح و العقل....حينما صار (الخضار) و الجزار وهو يبيع للزبون ما ألذ وطاب , يسأله
عن الأدب و الأدباء و المفكرين والمثقفين.
لقد اثبتوا اليوم تجار سوق بودة انهم جمهورا
مثقفا , يعرفون مبدعييهم , ومثقفيهم بالسليقة وبسذاجة البداية , بل هم يرون بأن
لهم عليه حق , وبالتالي عليه أن يكون في المستوى المطلوب.
شكرا لكم يا تجار سوق بودة , وانتم تكرمونني
بهذا التكريم , وتصنفونني بهذا التصنيف , كلما قابلتكم إلا وكان اللقاء سلاما و
أدبا وفنا و ثقافة وجمالا.
فعلا كما يقول المثل الشعبي : " اللي ما
شرا يتنزه " !.
وها أنا أشتري و أتنزه , وكم كان صادقا
السوسيولوجي في علم الكتاب (روبيرا اسكاربيب) : " أنا أعرف جمهوري لذا أنا
أكتب ".
و تأك
بما لا يدعو مجالا للشك لا يزال الفنان الأديب
الأصيل المثقف يملك جمهورا , بالأسواق بالمقاهي , بالمؤسسات العمومية , فقط عبر
وسيط الشبكات التواصل الإجتماعي وبولاية أدرار التي تبعد عن الجزائر العاصمة
1600كم.
كم كنت جميلا يا سوق بودة لاغم الفوضى التي
تنتابك ونوبات الجنون الصراخية , لكنها افلاطونية , فوضى : نظام غير مرئية ,
القليل من الناس الخلاقة المبدعة من ترى هذا الفوضى ألأكثر تنظيما.
كم كنت يا سوقا انسانيا وانسنة الإنسان , حين
كنت تمزج وتخلط حجر الفلاسفة و الشعراء بكتل البطاطس , الجذر , اللفت , الخص ,
البصل , اللحوم , وصار ما يميز هذه البضائع الشهية يميز القيّم , حين ينتقل الطابع
البشري الإنساني - حتى لا اقول الطابع الصنمي للبضائع - للزبائن.
كم أدركنا السبب لماذا العديد من الساكنة
ينتقلون الى سوق بودة من جميع النواحي , في حين في طريقهم مؤسسات بمبزانيات وقاعات
كبرى توشك أن تخلو من زائر واحد.
صحيح ربما يقول قائل سوق بودة فيه ما يغني البطن
, لكن ليس صحيح صوق بودة تجاره من الجمهور الذواق , وانهم لا يبيعون فقط الخضر و
الفواكه و اللحوم , وانما يتبادلون القيم والعلاقات الإنسانية والقيّم , وايضا صار
لهم أديبهم , ومثقفهم , وفنانهم الخاص ان غاب عنهم سشألون عنه سواء اشترى منهم او
من عدمه.
اعطوا للأسواق حقها فإنها لا تبيع و فقط بيعا
على بيع أو مجرد الربح المادي , وانما ايضا يسعون الى الربح المعنوي , وهذه تكمل
تلك.
هنيئا لسوق بودة بهذه المكانة ( العكاظية)
الجديدة , و أكيد تكونوا علقتهم من جديد كل معلقات الشعراء الجاهليين و المخضرمين
وحتى المحدثين والحداثيين منهم , وانتم بهذه الروعة تسألون وتجيبون و تبيعون
وتشترون بهذه الكيفية والحالة الإبداعية.
هنيئا لكم وتاجرتم اليوم بتجارة لا تبور , تجارة
الفكر والفن و الجمال و الثقافة و الأدب وانتم احافزون بكل هذا الود والحب , وفتش
عن الأدب و الثقافة كإنقاذ اذا مسّ الكساد قيمة من القيم الإنسانية..... ولنا لقاء