حين تنقطع أنفاس أحبالي الصوتية
محمد حبشي
حين تنقطع أنفاس أحبالي الصوتية ،
وتتحشرج آهة جافة
في حنجرتي ،
أو تتلعثم على طرفِ
لساني كلمات الحب ،
أستدعي أغنيةً عاطفية
من شريطِ ذاكرتي ،
أضعها قليلاً
فوق النار ،
حتى تصلُ مشاعري إلى
درجة الغليان ،
وأتبخرُ شوقاً ، من فرط
العشق ..
أرددها حينئذٍ في أذني
لبضع دقائق ،
ثم أتغرغر بها ثلاث
مرات ..
طبقاً لتعليماتِ كاتب
الأغنية ،
وعشيقةٍ قديمة ،
من فترة المراهقة ،
كانت تهوى سماعها أثناء
المذاكرة ،
وهي تكتب ليلة
الامتحان ،
بأحمر الشفاه ،
روشتاتها على صدري ..
كانت أول مرة ، أراجع
فيها مع فتاةٍ عذراء ،
دروس البيولوجي ،
ومنهج الكيمياء العضوية
،
كانت أول مرة ، أفهمُ
فيها معنى القبلة ،
أدرس منحنيات الصدر ،
خطوط جسدها السريالية ..
كانت أول مرة ، أرى في
عينيها ،
نظرات غير واضحة
المعالم ،
يصعب قرائتها ..
أتذكر جيداً ،
كانت أمنيتها أن تلتحق
بكلية الطب ،
فصارت تعالج
المرضى
في عيادتها الخاصة ،
بأحد الملاهي الليلية ..
وتجري عملياتها
الجراحية ،
بفندق فايف ستارز يطل
على النيل ..
وكانت أمنيتي أن أصبح
شاعراً
يبني مثل أمل دنقل ،
بيوتاً من الشعر على
الطراز العربي ،
وخيمة للاجئين ،
الفارين من حرب البسوس
،
فصرت مهندساً ،
يبني قصوراً
للملك ،
وبيوتاً في المنتجعات
السياحية
من الحديد والأسمنت ..
وأهدي معشوقتي
القديمة ،
كعكة حجرية ، في أعياد
الميلاد ،
مرسوماً عليها صورة
سبارتاكوس ،
وهو يلم النقطة ، بعد
أن حررَ العبيدَ من الخوف ..
ذبحني الوقت ، ومرت
سريعاً الأيام ،
دون أن أنزف قطرة
نصر واحدة ،
أو يشعر نصل الهزيمة
بالألم ،
وهو يقدمُ كل صباح ،
يوماً جديداً من عمري ،
قرباناً للآلهة ..
يوماً جديداً
بلا فائدة ،
تنثالُ فيه على وجه الورق
،
ساعات الفراغ ،
أصداء الملل ..
حكايات قديمة من كتاب
كليلة ودمنة ..
بعض المشاهد الهاربة من
فيلم عربي قديم ..
يوماً جديداً ،
تغتاله الساعات المعلقة
على حوائط التاريخ ،
التي تُحدث دقائقها
الحادة ،
جرحاً غائراً
بالذاكرة ،
تتسرب منه ذكريات
الماضي ، أحلامي التي شاخت ،
سنوات العمر التي ترهلت
، وترملت ،
ورسمت على وجهي مبكراً
،
خريطة من التجاعيد ،
ندوباً من الأوهام
الماكرة ،
ممراً طويلاً من
الأعوام ،
تنتظرني على شواطئه
النوارس ،
طيور القلق ،
والصقور ببنادقها في
المنتصف ،
فوق أسطح المنازل ،
ويحفر قابيل في نهايته
،
حفرةً عميقة ،
تشعلُ فيها الغربان
المتحفزة النار ،
بأوراقِ الغرفة
رقم ( 8 ) ،
وهي تطلق في الفضاء ،
لشاعرٍ لم يكتب قصيدة ،
ضحكتها الساخرة ..
محمد حبشي