استيراد الخارج... قصة قصيرة
استيراد الخارج... قصة قصيرة
ياسر الششتاوي
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
اشتريت للاب جديد، والذي اشتريته منه راح يكيل
المدائح في حق هذا اللاب، ويثني على إمكانياته، وأنا أصدقه في كلامه ، خاصة أن
كلامه كان يبدو مقنعاً لشخص في أشد الاحتياج للاب جديد، ومن ضمن ما أثني فيه على
اللاب أنه استيراد الخارج، ونحن بالطبع نميل للمستورد، ونشجعه، ربما لقلة الثقة في
أنفسنا!
لكنه كان مستعملاً، وأكد لي بائعه أنه استعمال
خفيف، لا يؤثر على قدرات الجهاز، ثم داعبني بأن الناس في الخارج لا يحرثون على
الجهاز مثلما نفعل عندنا!
أخذت الجهاز وأنا في سعادة، فلقد سقط اللاب
القديم مني، وتحطم تحطيماً بعد قضينا معاً أكثر من خمس سنوات، أحيانا تصبح هناك
عشرة بينك وبين الجماد، وهذا ما حزنت لأجله أكثر من حزني على الخسارة المادية جراء
شراء لاب جديد، فقد كنت أشعر أن اللاب القديم يحبني كما أحبه، فكان قليل الأعطال،
بل لا أذكر أنه تعطل، أو أن النسخة قد سقطت منه من تلقاء نفسه إلا بعد أن أغيرها،
كان لاب في منتهى الروعة، ولا أدري هل سيكون لابي الجديد مثل القديم أم لا؟
أخذت اللاب الجديد وأنا سعيد، وتوقعت أنه سيكون
أفضل من القديم، فأنا بطبعي متفائل، ولا أحب استباق النتائج أو الأمنيات، ولكنني
بعد فترة قليلة من الاستعمال لا تزيد عن ساعة، شعرت وكأن اللاب يريد أن يتكلم
ويحكي لي، ما هذا الشعور الغريب؟! حاولت أن أطرد هذه الهواجس عن ذهني، وأن أواصل
العمل على اللاب، واعتقدت أن هذا مجرد وهم، أطل على أفكاري، ولكن خاطر غريب أطل
على ذهني بعد هذا، وكأن هناك من يحرك أفكاري في اتجاه ما!
هذا الخاطر هو من يا ترى كان صاحب هذا اللاب في
بلاده الأجنبية، من هذا الشخص الذي سأضع أصابعي في نفس المكان الذي كان يضع فيه
أصابعه، وهل كان طيباً أم شريراً، وها كان له نفس اهتماماتي أم لا؟
وعندما نمت رأيت هذا المنام الغريب، فقد جاءني
اللاب يبكي، يبكي على فراق صاحبه، وأنه يريد العودة إليه، فقلت له: إنني لا أستطيع
أن أفعل ذلك، لا أستطيع أن أرجعه إلى بلده ولا إلى صاحبه، ولو كنت أستطيع، لكنت
فعلتها لنفسي من زمن، وهاجرت إلى البلد الأوروبي الذي أتى منه، كما أنني لا أستطيع
أن أفعل لأن اللاب أصبح ملكي، وأنا صاحب السلطان عليه، وليس صاحبه الذي باعه، وأنه
يجب أن يعمل عندي ، وليس عنده!
ولما رأى اللاب إصراري وتمسكي به، ترك البكاء ،
وراح يهددني أنه سوف ينتحر، إن لم أرجعه، فراحت أسخر من كلامه، وأقول وأنا في
هستيريا من الضحك، كيف سينتحر اللاب؟ كيف سينتحر اللاب؟ إلى درجة أنني استيقظت من
النوم على أثر صوت ضحكاتي في الحلم!!
وعندما رجعت من العمل، رحت أفتح اللاب لبعض
الأمور، وما هي إلا دقائق حتى شممت رائحة دخان، كان آخر شيء أتوقعه، أن يكون مصدر
تلك الرائحة هو لابي الجديد، لدرجة أنني قمت ورحت ألف في الشقة بحثاً عن مصدر تلك
الرائحة، ولكنني عندما عدت إلى اللاب وجدته قد اشتعل بالفعل ، فرحت أسكب فوقه
الماء، وأنا أقول لقد فعلها اللاب ابن الكلب لقد فعلها اللاب ابن الكلب!
أخذته متحسراً ، وذهبت به إلى الرجل الذي
اشتريته منه، فرفض أن يأخذه مني، فذكرته بما قال عن إمكانيات اللاب وأنه استيراد
الخارج، أي مضمون الجودة، وأنه لم يجلس معي ما يقارب أكثر من أربع وعشرين ساعة،
وأنه يجب أن يأخذه ؛ لأنه خدعني، فقال لي بلهجة مختلفة تماماُ عن اللهجة التي كان
يبيع لي بها: أنا لست مغسلا وضامنا جنة.
وبعد إلحاحي عليه قال لي إن كنت تريد أن آخذه
منك لترجعه لي كما كان !! فقلت مستهجنا لكلامه: وهل هناك من أخبرك أنني من سحرة
موسى؟!!
أخذت اللاب المحترق، ورميت به في البحر، وأنا
أقول له: الآن لتذهب لصاحبك الأوروبي أيها العاق لصاحبك الإفريقي!!
بقلم: ياسر الششتاوي