أنا لَسْتُ أنا
أنا لَسْتُ أنا
أنا لَسْتُ أنا
لا تقلّبي إرْثي كثيراً لَديكِ..
قَصائِدي، صُوري، غُضونَ الأزقّةِ، تراتيلَ
اللّيلِ، أزهارَ الصّبحِ المرسلةِ ، أخبارَ البَلَدِ، اتحادَ الأدباءِ، بذاءةَ
الشُّعراءِ، نذالةَ الأحزابِ، خبزَ الفُقراء، الأطفالَ في التَّقاطُعاتِ، دموعَ
أمّي، شَكْوايَ كثيراً من الأصدقاءِ، قَسْوتي، دفاعي عَنْ نَفْسي، قَهْوتي، نَومي
في أوّلِ المُكالمةِ، شبَقي أيّامَ الأسْبوعِ، أوقاتَ دَوائي، عَملي, زُمَلاءَ
العَمَل، الزَّبائنَ، أوّلَ ساعةٍ أهديتُها لَكِ، مَكْتبتي، كُتُبي، كِتابي
الأوَّلَ الذي رُبّما لَمْ تُكْمليهِ، عشاءَ عِيدٍ ما.
لا تُقلّبي المَواجِعَ..
إرشِيفي كُلُّهُ تَغَيّر
فَلا شيءَ يَمتُّ لي بِصِلَةٍ
حَتّى وَجْهي الذي تَحْفَظينَهُ جَيّداً
بَدَا مُتغيّراً كلَّ يومٍ
مثلاً...
لونُ الذّقنِ يَتْجهُ نَحوَ الجّليدِ
وفرْوةُ الرأس بَدأت تَعي تقلّباتِ رَأْسي
وَحاجَتَهُ للوحْدَةِ, للظلّ، لِزاويةٍ يَجْهشُ بها
بَشَرتي أيضا أصفرَّ لَونها
وَيَدايَ تَرتعشانِ مِثلَ لَقيطٍ في لَيْلةٍ
صقيعةٍ لمْ يَلْحظْهُ القسُّ على دَكة الباب حتّى اللَّحظَةِ..
إرثي الجَميلُ..
كان يَحْملني إليكِ كأميرٍ فَوقَ حِصانِهِ
لطَالما حَمَلكِ إلى الأَبدِ
لَطالما غنّى لكِ إلى الأَبدِ
وكثيراً ما نَهَضْنا من الرَّمادِ إلى الأَبدِ..
ثمَّ عدْنا كَجيشٍ مَهْزومٍ، خَذَلتْهُ
الأشْرعَةُ حِينَ أطلقوا الهَواءَ وَدَسّوا سِحْرَهُم في الأمواجِ كيْ يفرّقوا
بَينَ المَرْءِ ونَفْسِه.
وأحبّكِ في العَلَنِ..
لا مِثْلما قَبلَ فتحِنا لِقلاعِ الأعْداءِ
وسبّيُنا الأسْطُوري لتلكَ النّوتاتِ التي كانتْ
تُشَكّلُ أغاني الحُروبِ ..
كم كنّا ضدَّ الحُروب أنا وأنتِ
..
أُحبّكِ..
وأنتِ تختبئينَ خَلْفَ مُهرّجٍ
وتبكينَ في أعماقِهِ لتَسْتمرَّ الحَياةُ
وَوَحْدي أَعلمُ بِكِ
أحبّكِ...
وَأنتِ تخرجينَ كالأنبياءِ
تَجْمعينَ النّاسَ وتلقينَ المُعْجزَةَ
والأنْصارُ يُصفّقونَ ويحْملونَكِ على أكتافِهم
كمُخلّـصٍ، ثمَ تَنْتهي الدَّعوةُ
فترجعين إلى إرْثي مُجدّداً
تَبحثينَ عنّي، ثمَّ تعاقبين ذاكَرتكِ مُجدّداً،
وتكررين النبوّةَ مِراراً، وتصنعين المُعْجزاتِ مِراراً، لتنشغلي عنّي مِراراً
وَربّما الأنبياءُ مثلكِ
كـانوا مشارِيعَ هُروبٍ أدّتْ الى نُبوّةٍ!
____________________________________
محمد الصباغ/العراق