الموسيقار أحمد البيضاوي لحَّن قصيدتي الأولى
محمد علي الرباوي
للنص الأول
في مسيرتي الشعرية تجلياتٌ عديدة:
- التجلي
الأول: أولُ نص كتبته كان يوم كنتُ تلميذا بقسم الابتدائي الأول بمدينةpetit jean . لم أكن
أعرف زمانئذ (15//41955) معنى مصطلح"الشعر". الشعرُ
عرفتُه عبر الكلمات الجميلة التي كان يتغنى بها كبارُ المغنين الذين أطربوا جيلي
بسحر الكلام الرومانسي، وبسحر اللحن التعبيري الجميل. يُضاف إلى هذا أن السينيما
الهنديةَ التي أبدع دَبْلَجَتَها المرحومُ إبراهيم السائح، كانت، عبر الشاشة
الكبيرة، تجعلني أنخرط في سحر الكلام الغنائي المترجم إلى عربية تفوح بالحلم
الوجداني، تُزين أسفلَ الشاشة. هذا الكلامُ الجميل الذي يسميه المثقفون بالشعر،
كان التلميذُ الذي كُنْتُهُ يسميه الأغنية. فتسلل إلي حبُ هذا الفن من الكلام.
ودفعني عشقُه الذي ينبض به دمي إلى أن أجد نفسي، وبدون مقدمات، أخطُّ بالحبر المدرسي
أولَ أغنية لي. ما زلت أذكر عنوانها "حبيتك أول مرة". هذا النص غريبٌ في
كل شيء. هو يتحدث عن الحب، وأنا في سن لا يعرف دلالة هذه الكلمة السامية، وإنما
تسلل إلي هذا الحديثُ الوجداني عبر ما كنت أسمع، من خلال الراديو، ومن خلال ما كنت
أشاهد في عمق الشاسة الكبيرة. وغرابة أخرى أن لغته تجمع
العربي الفصيحَ بالعامي في
سَلَّة واحدة. لعل العاميةَ الحاضرةَ فيه وفدتْ عليه مما كان يَسمع في الأغاني.
والتلميذ يظن أن ما يسمع هو من العربية الفصحى. محمد عبد الوهاب مثلا، في تصوره،
لا يغني إلا بالفصحى.
فرحتُ
بكتابة هذا النص فرحا كبيرا، لكن المشكلةَ التي واجهتْ هذا التلميذَ هي كيف يصل
هذا الكلام إلى الملحن؟ لأن الأغنية حين تُكتب لابد أن تُغنى.
قاسم
العشلوجي، وهو تلميذٌ أكبر سنا، يقاسمني المقعدَ في القسم، ورتبتُه الأخيرةُ في
الاختبارات، لكنه يتظاهر بالمعرفة، وهو كثير السفر إلى الرباط حسب زعمه. أطلعتُه
على ما كتبت. فأشار علي أن يتوسط لي عند أحمد البيضاوي؛ ليلحنها، وليغنيها. أخذها
وأنا مصدق دعواه. لم أنم تلك الليلة فرحا. كنتُ كلما استلقيتُ على سريري، أطفئ
المصباح الغازي، وأسمع المذيع يقول: "من كلمات محمد بن علي، وألحان الموسيقار
أحمد البيضاوي، كنتم تستمعون إلى أغنية حبيتك أول مرة، عزف الجوق الوطني". في
الصباح، توجهت إلى المدرسة صحبة صديق يسكن برأس الدرب الذي به الكوخُ الذي أسكنه.
في الطريق حدثتُ أحمدَ عن الأغنية، أسمعته كَلِمَاتِهَا. أخبرته بموضوع أحمد
البيضاوي. أعجبه ما سمع، لكنه نبهني إلى أن قاسما، صاحبَنا الوسيط، حين يُقدم النص
للملحن، فإنه سيدعيه لنفسه، وفي هذه الحالة لن أستفيد من التعويضات التي تُقدم
لكتاب الكلمات، ولن أستفيد مما يقدمه مكتب حقوق التأليف للكُتّاب. أحسستُ بغضب
شديد، وقررت أن أسترد أغنيتي من صاحبي.
طرقتُ باب
منزل قاسم. خرج وهو يحمل حقيبته. طلبتُ منه أن يُرجع إليَّ النص الذي تسلمه مني.
فرد على الفور أن النص ضاع بين أوراقه ، وأنه سيرجعه إلي حين يلقاه. مَرَّ يوم. مر
يومان. شهرٌ. شهران...اِنتقلتُ إلى القسم الابتدائي الثاني، بمدرسة توجد بالحي
الأروبي للمدينة. قاسم لم ينتقل، لم يَلق النص، بل منذ تلك السنة، غادر ذاكرتي،
وبقيتُ ألازم الراديو، وأنتظر أن أسمع المذيع يقول: من كلمات قاسم العشلوجي،
وألحان أحمد البيضاوي، سنستمع إلى هذه التحفة.
- التجلي
الثاني يتعلق بأول نص شعري نشرته سنة 1964، وهذا يحتاج إلى كلام آخر.