_________(التأثير والتأثُّر)________
حامد حبيب
"""""""""""""""""""
كانت الفتوحات الإسلامية فى أوج الحضارة
الإسلامية خير مترجم لمظاهر تلاقى الاداب وعاملاً مؤثراً فى تلاقحها وتكاثرها.
والحروب
برغم الدمار الذى تنشره،تخلف تراكمات ثقافية أدبية ،حيث تلتقى الشعوب وتتلاقح
الآداب وتتكاثر المعارف.
وعقِب
كل حرب ينتج أدب وطعم جديد،
ومضامين
جديدة.
فالحروب
الصليبية قد أتاحت للفرنسيين أن يطًلعوا على نوع من القصص الشعبى العربى ،أثَّر فى
الأقصوصات الشعبية لأدب فرنسا وسمّوه"الفابليو"..ويستشهد (جِب)
على
الأثر العميق الذى تركته القصص الشرقية في طريقة التفكير فى القرن الثامن عشر فيما
ذكره(وارفون)فى كتابه
"تاريخ
الشعر الانجليزى "الذى كتبه حوالى
١٧٧٠م،وذهب
فيه مؤلّفه إلى أن الحركة الرومانتيكية في العصور الوسطى هى
بلا
ريب "نتاج عربى خالص".
والحرب
العالمية الأولى والثانية أحدثتا
نوعاً
من التلاقى بين الآداب الأوربية والأدب العربى،فظهرت المدرسة الرومانسية
فى
الأدب العربى الحديث،وكانت" مدرسة
الديوان
"و" مدرسة أبوللّو"وجهان متميزان
يمثلان
ثمرة هذا التقريب بين الآداب.
يقول(العقاد)عن
مدرسة"الديوان":"هى مدرسة أوغلت فى القراءة الإنجليزية ولم
تقصُر
قراءتها على أطراف من الأدب الفرنسى ،وهى على إيغالها فى قراءة
الأدباء
والشعراء الإنجليز لم تنسَ الألمان
والطليان
والروس والأسبان واليونان" .
ثم
ظهرت عقب الحرب العالمية الثانية،
مدرسة"الشعر
الحُر"مُتّخذة النهج الأوروبى فى القصيدة شكلاً ومضموناً نهجاً لها.
وقد
كان(جارثيا لوركا)يدرك مدى تأثير الشعر العربى الأندلس على حساسيته الشعرية،ومدى
احترامه للحضارة العربية التى ازدهرت قديماً فى إسبانيا وخاصّة
فى
مدينة غرناطة. وقد سُئل فى مقابلة
جرت
معه قُبيل الحرب الأهلية فى سقوط
غرناطة
العربية عام ١٤٩٢م،فى أيدى (فرديناند)و(إيزابيلا)فجاء ردّه :"كان ذلك
كارثة
على رغم من أنهم يقولون غير ذلك
فى
المدارس.لقد ذهبت حضارة رائعة فى شعر وعمارة وتهذيب بلا مثيل فى الدنيا،
كل
ذلك ذهب ليحلَّ محلّه مدينة فقيرة
خانعة
وخراب تقطنه أسوأ برجوازية فى أسبانيا اليوم".
كما
تأثّرت الآداب الأوربية تأثّراً واضحاً بموضوعات الأدب العربى..ذلك أنّ الشعر
العربى بلغ درجةً كبيرة من السموّ والدّقّة
فى
وقت افتقر فيه الأوروبيون إلى هذا
اللون
من الأدب،فأخذ الأوروبيون عن العرب فنّهم القصصى وماحوَته آدابهم من مغامرات وخيال
واسع بديع .
ومن
العلماء العرب الذين أخذ عنهم الأوربيون،مُحيي الدين بن عربى..إذ اقتبس
الشاعر
الإيطالي (دانتى)أوصاف الجنٌة وقصة الإسراء والمعراج فى كتابه
"الكوميديا
الإلهية .وقصة"روبنسون كروزو"
مأخوذة
عن قصة"حى بن يقظان"التى كتبها فيلسوف الأندلس(إبن طُفيل)والتى تُرجمت
إلى اللاتينية والإنجليزية.
كذلك
أخذ الأوروبيون المقامات عن العرب
وبخاصّة
مقامات الحريرى.
كذلك
لم تعرف أوربا فلاسفة الشرق إلاّ عن طريق أسبانيا ،حيث تأثّر الأوروبيون بالفلاسفة
المسلمين تأثّراً كبيراً،والذين كان أشهرهم الفارابى والكِندى وابن سينا،وفيلسوف
أسبانيا ابن رُشد.
*يحتاج
الموضوع دراسات طويلة تكشف عبر العصور ثمرة التأثير والتأثّر الناتجة
عن
العلاقة بين الحضارات والدول ،ومانتج منها عن الفتوحات والحروب...
______________
تحياتي
(حامد حبيب) ٩_٥_٢٠٢١م
——————