دوامة
نبيل عودة
مضى عقدان من الزمن وبطنها قاحل. تناثرت الاقاويل وكثر التساؤل. صارت في الحلق غصة، في جمال الحياة كدر، في صفاء الجو غيوم، في هدوء البال توتر، في نظرات الناس حدة.
وهيب زوجها يعود من عمله ولا يبخل على زوجته، يراوده الأمل. كل عسر يليه يسر، لطفك يا ملطف، الثمر يمتنع، النوار لا يبان، العود اجرد.
يبتهل بحرارة لمن في يده الحل والربط. يتعامل مع ضغط الأيام، يهرب من ضغط الألسن. ما بقي صاحب ضريح الا ووصلته حصته. عدل في الزكاة وزاد. لف على الوسطاء والمشعوذين، حتى كاد يطق من التجوال.
قالوا انها مصابة بالعين. سلسلوا الحكاية من وقت تعارفهم فوجدوا ألف سبب، ما نفعت الحجب في هزم اي سبب. أخذها عند أحسن الشيخات بعد عجز الأطباء الواضح، ما بقي طقس بلا تجريب. بشروه بالخير وبقي العسر ماسك.
احتارت نفسه، اجتنب الناس ابتعادا عن تساؤلاتهم. عيونهم فيها غمز. تساؤلاتهم تفجر غضبه.
يسرك يا رب. هل يطلق من داخ في حبها ؟! يتخلى عمن مات صبابة في القرب منها ؟! أيبتعد عن التي يسرح وجدانه كلما قربها لنفسه ؟! عشرون سنة من الاندماج الحسي والذوبان العاطفي تنتهي بكلمة غبية ؟! آه من غدر الايام وخيانة القلوب. آه من شطحات العقل.
-----
عشرون سنة من اندماج الذاتين في ذات واحدة. يرفض التشاؤم، يقاوم سوداويته، ينتظر البشارة بصبر، يلتزم بأمله، يناجي احلامه، يواسي نفسه بالصبر وينتظر الخبر الممتنع ... يترصد الحلم الذي لا يجيء.
قالوا: " الصبر ثم الصبر " فاحتار، حتى متى الصبر ؟! " الصبر سلاح المؤمن المتيقن!" اما الايمان فالحمد لله، لكن اليقين معدوم .. والاحساس بالخسارة مرير.
تتوالى الأيام، تتناثر الآمال، يتوالى الحديث، تتلى الحكايات، يتجدد الأمل، يتبدد الأمل، يتعلق بحبال الامنيات، ينال منه اليأس، يوغل في الأمل، يتحلى بالصبر، ينهزم اليأس... هذه طبيعة النفس البشرية، مترددة، متقلبة ولكنها على العموم تتفاءل بالخير، تطفح بالأمل وهي في ذروة العسر والامتناع.
كان محتارا في نصيبه، يحاول ان يفهم الحكمة في قدره، يقوى يقينه ان يكون فرج بعد شدة، فرح بعد صبر، طفل بعد انتظار، لا بأس بطفلة ...
عقدان كاملان لا يعرف كيف عبرهما. عشرون طويلة بأيامها. حتى الصبر صار علقما. ثبت في طريق الأمل ولا يزال. كانت تشعر برغبة زوجها، يسود عالمها من عجزها البين في تطييب خاطره. كان حبيب نفسها يحزنها صمته. وكثيرا ما رجته ان يطلقها، او ان يأخذ عليها زوجة اخرى تحقق له ما تصبو اليه نفسه. تعطيه من بذره ثمرة.
رفض كلامها وزجرها. ابدى لها من العشق ما حيرها في امرها وزاد من شعورها بالنقص والتقصير. لم يوفر جهدا في اظهار حبه، كان يطمئنها بحنانه الطافح، ترتاح لعواطفه الجياشة، يمنحها من عناده بصمت وصبر، مددا يشد ازرها ويجدد الأمل في نفسها.