محمود احمد على...يطرح قضية ...
الجهل والتجاهل..واغتراب المفكرين
فى بلدهم )_________
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!
*فى قصّته"اغتراب"من
مجموعته"رءوس تحترق يكشف الكاتب (محمود احمد على) القناع عن جهل العائلة
والمجتمع وتجاهل المؤسسات الثقافية والعلمية لأحد الأُدباء والمُفكّرين الذين
أثروا الحياة الثقافية ،وماآلَ إليه حالُ هذا الأديب المُفكّر من جهل وتجاهُل
وازدراء ونفى بدنى ومعنوى.
يتحدّث
الراوى"الصحفى"فى القصة عن قائلاً:"مُفكّر
وأديبٌ مثلُه،تجاوزت
أعمالُه التسعين كتاباً فى شتّى
فروع المعرفة ولم
تُكرّمه الدولة ،رغم أنصاف وأرباع
الأُدباء،أخذوا أكثرَ
ممّا يستحقّون...رجُل مثلُه رفض
الزواج..تزوّج الفكر
والأدب..لمَ..لَمْ يُكرَّم؟!".
راح الصحفى يسأل عن بيت
هذا الأديب(محمد محمود)الشهير ب(راهب الفكر)،فى بلدته الصغيرة:
_لو سمحت..فين بيت
الأستاذ محمد محمود الشهير براهب الفكر؟...أجابه الشاب فى تعجُّب:
_أنا معرفشى حدّ بالإسم
ده.
_وهوَّ حضرتك مش
متعلِّم برضه؟
_طبعاً ..أنا فى كلية
الآداب.
..وبالطبع،فإنّ مثل هذه
الإجابة من طالب فى كلية الآداب،إجابة تدعو للسُخريّة..تنُم عن مدى الجهل
المُتفشّى فى أوساط المُتعلّمين..وبالتالى فإنها علّة يُستنَد إليها،إذا ماعلمنا
أنّه مع زيادة نسبة الملتحقين بالتعليم،فإنّه فى المُقابل،ليس لذلك من أثر فى حركة
نهضوية ثقافية فى البلاد.
ويواصل مشهداً آخر من
مشاهد الجهل واختزال المعرفة فى هوامش لاقيمة لها ،يسأل آخرين..والإجابة :أنا أعرف
الست نجفة الرقّاصة..أو المعلّم الجحش تاجر الخُردة...أو الأُسطى محمّد
الحلّاق..إنما تقولّى مش عارف إيه وشهرته راهب فكرى.
ومع أنها بلدةٌ صغيرة
جداً ،فإن مثل هذه الإجابات
تكشف عن مدى التغيّرات
فى قِيَمه وعاداته وتقاليده..فصار مثل هذا الرجل المُفكّر غير معروف،
كما أن الإجابة على
السؤال جاءت إستخفافية،
وفيها عدم تقدير لرجل
غريب يسأل،فلم نجد صاحب الإجابة ينطق حتى بكلمة ترحيب بالغريب.
كل هذا يعبّر عن قيَم
تلاشت فى الريف.
يقول الكاتب بلسان
"الصحفى":"رأى أطفالاً يحملون
بين أيديهم بعض
المُجلّدات ويتقافزون بها فيما بينهم فى الشارع"..يقول:"كُتُب
كثيرة..كثيرةٌ جداً،
متناثرةأمام عتبات
البيتة،وبعض الأطفال يرمون بعضهم بها،والبعض الآخر يقفون فوقها".
..فهذه الكُتُب التى
يجب أن تعرف العقولُ مدى أهميتها ،تدوسها الأقدام..إذن لاعقول،بل أقدام باقية
..فالعلمُ أصبح لاقيمة
له.
يسأل:بيت مين ده؟...ردّ
عليه الرجل دون أن يلتفت
إليه:بيت محمد محمود
أخو المعلّم الجحش.
..وهو التضاد الذى
أورده المؤلف ليُشيرَ إلى نقيضين
(العلم/الجهل)..المـُفكّر
(محمد محمود/المعلم الجحش).
_ياأُستاذ ..محمد محمود
..تعيش انت،والمعلّم الجحش (أخوه)..أجّر أربعة رجّالة وراحوا يدفنوه برّه البلد.
"تذكّر
العربة"الدايهاتسو"التى قابلته فى أوّل البلدة،
وهى تحمل فوقها نعشاً
مُحاطاً بأربعةٍ من الشباب
يُدخّنون السجائر
ويضحكون بشدّة."
واحد من بينهم رمى
مجموعة كبيرة من الكُتب كانت فوق يديه،وقال:
_دى آخر شويّة كُتُب
موجودة جوّه.
_ردّ عليه الآخر:ياللّا
نِقسم.
_ردّ ثالث:أنا حاخُد
التليفزيون.
وقالت امرأة:وانا
الثلاجة
وقال آخر: وانا
البوتاجاز
سحب قدميَه بصعوبة
بالغة،تاركاً المكان،وبين يديه
يحتضن
كتاب"إغتراب"..ليعبّر الكاتب من خلال هذا الكتاب على مدى اغتراب
المُفكرين والأدباء فى مجتمعاتهم وعدم الوعى بقيمة أفكارهم..فهم مغتربون داخل
الوطن.
قضية ساقها الكاتب فى
براعة،ولم يفُتهُ أنّ هذا الجهل_بالطبع_يصطحب معه متغيرات تحيد عن
المألوف،كالتغيُّر الذى شوهدَ فى إجابات الناس،وتغيُّر
عاداتهم وتقاليدهم،وكيف
أصبحت مقابلتهم للغُرباء،
وكيف سيق الميًت إلى
قبره دون أهله،وقد استأجروا له فتيةً لدفنه،لايعبأون بالمشهد.
فليس من المُتوقَّع أن
يصدر عن الجهل قيمة يعتدّ
بها المجتمع،ولا أن
يخطو المجتمع من خلاله خطوة
للأمام..بدون احترام
العقل والفكر لاشئ يكون.
الاستخفاف بالعقول
النيّرة ..بالمفكرين والأدباء
والفلاسفة وأهل العلم
وصمةُ عار على جبين الوطن.
كيف ينهض- وهناك تلك
المسافات الشاسعة الملغومة
بالجهل والاستهتار وهتك
القِيَم -بينه وبين نور الفكر
_تلك هى القضية التى
شغلت بال الأديب المبدع
(محمود احمد على)الذى
تميّز على الدوام بأطروحات غاية فى الأهمية.
**كل التحية له ..ودوام
التوفيق.
___________________
حامد حبيب_مصر