¤
تخاريف صائم ، يقضي مع ثلاثي
أضواء المسرح ،
ثلاثين يوماً في السجن ..
محمد حبشي
.
———————————————————
.
1-
حين سمعتُ إمام مسجدنا العميل ،
يقرأ في سورة التبغ ،
ولا تقل لرئتيَّكَ
أُفٍّ ،
ولا تنهرهما ،
أشعلتُ في لحيته إحدى سجائري ،
وألقيتُها
على الأرض ،
فلم تتحول إلى حية ،
تلقف ما تدفعه للسحرة شركات التبغ ،
أو ما يدفعه ( أولاد النجعاوي ) ،
ل ( كاميللو ) ،
كي
ينقلَ الصلاة على الهواء ..
.
.
2-
" ثلاثون يوما في السجن " ، وخيوط الدخان ،
تلتف حول رقبة زنزانتي
المسنة ،
التي تسعلُ جدرانها ، طوال الليل ..
نصحتني بعدها
( أزهار ) ،
بالامتناع عن التدخين ، في المساجد
المغلقة ..
ووزارة الأوقاف ،
بعدم إلقاء
النكات
على المصلين ، أثناء خطبة الجمعة ..
وأجهزة الأمن
الوطني ،
بوضع كمامة على أفواه المصلين ،
والشبة في الشوربة ،
وعدم البصق
على صور الزعيم ، أو الهتاف في الميادين
العامة ..
.
.
3-
حين أدمنتُ التحليق ، حول صور الموتى ،
والتدلي من مروحة السقف ،
شعرت غرفتي
بالقلق ،
عندما انخفض منسوب أحلامها ،
إلى ما تحت
الصفر ..
وحين دعكتُ براحة يدي المصباح ،
لم يخرج العفريت
من الخوف ،
حين سمع طلقات الرصاص ،
ورأى في صور
الأشعة ،
أصابعي المبتورة ، وآثار جرحٍ قديم ،
وظلال المخبرين ،
الذين يبحثون عن أعواد الثقاب ،
التي قامت ب إشعال
الموقف ،
قبل أن تفر من بطش الهواء ، وأسر علبة
الكبريت ..
.
.
four- حين نصحتني إحدى العاهرات ،
بإلقاء قصائدي على السرير ،
وارسال ملابسها
الداخلية
إلى دور النشر ،
جمعت ما اخفيته تحت وسادتي من أرق ،
وما تناثر من دموعي على الأرض ،
وضحكتها المصابة
بالربو ،
التي تبحث
في أدراج مكتبي ،
عن دواءٍ للكحة ، وألقيتهم من نوافذ
الذاكرة ..
.
.
five- منذُ ذلك اليوم ، وأنا أرى في الكواليس ،
حنجرةً ، بلا أحبال صوتية ،
تتحدث خلف
الباب ،
مع قميص النوم ، عن عذاب القبر ..
وفي الكوابيس ،
سرباً من الرؤوس الطائرة ،
يطفو على سطح الماء ،
ونعشٌ
في المرآة ،
يحلق فوق نهرٍ من الدموع ،
يحفر على جانبي الأنف ، ممراً آمناً
للبكاء ..
.
.
6-
حين أغوت الريح نافذتي المغلقة ،
بفتح نصف عين ،
أثناء النوم ،
تتسربُ منها الأحزانُ مع الدخان ،
فتحت الأحلام ثقباً
ب ذاكرتي ،
تتعامد من خلاله الشمس ، على صور الموتى ..
كي أحتفلَ ب هزائمي ،
مرتين كل عام ،
يوم مولدي ، ويوم تولي خيبتي العرش ..
.
.
7-
حين شاخت أحلامي المعلقة من قدميها ،
على حائط المبكى ،
توارت
منذُ النكسة ،
في كتب التاريخ ، انتصاراتي الزائفة ،
واختبئت أسلحتي البيضاء ،
في درج المطبخ ،
ومَحَوتُ
منذُ الفتنة الكبرى ،
من لوحاتي المدرسية ، وأناشيد الصباح ،
صور الجنود ،
الذين رفعوا صوتي من الخدمة ،
وأحذيتهم فوق رأسي ، أو على أسنة الرماح
..
.
.
8-
منذُ صارت غرفتي ، تعبد رائحة الدخان ،
تنحت أصناماً ،
من عظام الموتى ،
لم أتبرع لمريضٍ بالقلب ،
ب ورقة بفرة ، أو نصف لترٍ من الدم ..
ومنذُ ارتدَّت عن التدخين
شعبي الهوائية ،
أقام بائع
التبغ ،
على أوعيتي الدموية قضية حجر ،
للاستيلاء
على كامل رصيدي
من القطران ،
ليسفلت به شارعاً ، يمر أمام الكشك ..
.
.
9-
منذُ أفتى إمام مسجدنا العميل ،
بجواز التدخين أثناء الصوم ،
لمن يتكفل ،
بإفطار اثنين من المَوتَى ،
وانا أضعُ
قبل مدفع الإفطار ،
علبتين مارلبورو ، على موائد الرحمن ،
وبعد صلاة التراويح ،
حفنة
من الدولارات ،
تحت عمامته ، أو في جيب سرواله الخلفي ..
ومنذُ أباحَ الدعاة الجُدُد ،
شُرب الحشيش
أثناء الغُسل ،
وأنا أحتسي مع أصدقائي
الأنتيم ،
القهوة في حانة يني ، والخمر في سرادقات
العزاء ..
.
.
10-
منذُ مولدي وحتى الآن ، وأنا أهوي الرسم ،
ومشاهدة الأفلام الكوميدية ،
ومصاحبة
ثلاثي أضواء المسرح ،
الذين أقسموا
أمام القضاة ،
بأنني لم أحرق شنب النجعاوي ،
ولم أدخن في حياتي
لفافة بانجو ،
أو أزرع في شرفتي زهور الخشخاش ،
فحكمت المحكمة
ب براءتي ،
وعلى " فان جوخ " بالإعدام ،
بتهمة نشر الفوضى ، على قطعةٍ من قماش ،
والتخابر ،
مع صالاتِ عرضٍ أجنبية ،
وتحريض الألوان الزيتية ، على مناهضة نظام
الحكم ..