السجون و تأويلاتها الحضارية بالأسطورة الأغريقية
العقيد بن دحو
كلما حاول الأديب أو الباحث الدارس النمو بعيدا
عن الأسطورة و الخرافة الأغريقو رومانية إلا ووجد نفسه فيها ثقافيا اجتماعيا
سياسيا و في ميادين عامة وقيم أخرى.
وبقدر ما تعتبر الأسطورة روح ونفس جماعية , و
بقدر ما يعتبر ( الحلم أسطورة الفرد , بقدر ما يعتبر الحلم الجمعي اسطورة أو كما
قال ( يانك).
ولأن الأسطورة صور بيدائية فإن المتحدث بالصور
البيدائية يتحدث بألف صوت , من حيث صوت الشعب هو من صوت الإله.
لقد ورد ( السجن) و كذا ( النفي) البطل أو عدة
ابطال أما ظلما من طرف الألهة أو من طرف بني جلدته العائاة أو القبيلة أو العشيرة
أو حتى بإسم الشعب أو الوطن.
و
لكن هذا الحكم أنى كان هذا الحكم لم يكن هرطقة ولا فلكلوريا من أجل الحكم , و انما
من أجل أن يقدم غايات نبيلة القصد جراها
اعادة التوازن ما بين الانسان و الإله من جهة , وما بين الأثنين معا و المحيط.
وربما كان يقصد بها الكاتب الدرامي تغيير قاعدة
من القواعد , أو مسطرة من المساطر ’ أو قانن من القوانين , اذ الحياة تتقدم فلابد
أن تواكب هذه القوتنبن و المساطر التغيير في هذه الحياة , اذ من غير المعقول أن
يكتفوا كتاب الأغريق على المبدأين الأساسين ( التطهير) و ( التغيير) ’ ة انما
ترك الخيال الجامح للتفكير في تفسير جديد للنص الكلاسيكي التقليدي
الأغريقي و منحه بعده التجديدي و التجريبي ايضا و كذا الانساني في مكان هو كل مكان
و زمان هو كل زمان.
السجن عند الأغريق كان وسيلة نمو بالنص الأغريقي
و لم يكن الهدف بحد ذاته.
و
لعل السجن الدرامي الشهير الذي لا يؤوب منه مسافر , قلما يخرج منه سجين سالما. كما
جاءت به مأساة ( أونتجون) جيث زفت الى (هيديز)
و ليتبعها رجل أخر.
كان تأويلها سجن الفكرة عندما تختزل في
فكر رجل قوي لا يقبل التنازل , ولا يقبل التراجع عن تطبيق بعض القوانين حتى ان
كانت جائرة ظالمة , تجلب الغزو للوطن أكثر مما تجلب له الأمن و الأمان.
صحيح القوانين بالأخير جاءت لخدمة الرجل القوي ,
لكن هذا القوي ( الملك) أو (إله) أو ( نصف إله) ان لم ينصت الى مستشاريه و الى
عامة الشعب , سوف يشهد بأن عينية كيف
يفوته الفوت ولا يعقلون إلا بعد فوات
الأوان وتقدم السن.
لقد حاء وورد ( هديز) السجن تحت الأرض في
عدة اشعار لكبار الشعراء اليونانيين , و في الملاحم الكبرى ( الأليادة) و
(الأوديسا) , و ايضا في الملحمة الكوميدية ( ملهاة الضفادع) ليوريوبيدز.
كان الغرض منه أن يقدم رسالة نقدية الى الشعراء
الثلاث ( ايخيلوس - صوفوكليس -يوريوبيدز) بأسلوب ساخر تهكمي الى هؤلاء الشعراء
الذي أدمى معاصمهم القيود التقلدية الكلاسيكية النمطية المأسوية التراجيديا.
ولعل السجن الشهير هو ( سجن
المونيتور) , هو سجن شيّده و بناه المهندس الأغريقي الشهير ( ديدالوس) , شيّد و
بنى متاهة جزيرة (كريت) , حيث سٌجن المونيتور - الكائن الذي نصفه انسان و النصف الأخر ثور - ثم سٌجن هو نفسه بأمر من
(مينوس) , لكنه تمكن من الفرار , اذ صنع
لنفسه جناحين من ريش لصقهما بالشمع. و اصطحب معه معه في طيرانه ابنه (ايكار) . وحين
حلقا عاليا اقتربا كثيرا من الشمس فذاب الشمع و سقطا بالبحر.
بمعنى على السيريالي أن يحقق ذاته و أن
يتحرر من كل وزن ثقلي يشده الأرض , فهو الحالم و الحرية أن يحقق ذاته بالعلو حيث
يعيد اسطورة (ديدالوس) وتارة أخرى بالغوص بالأعماق حيث يعيد اسطورة يوسف.
ايضا رأينا بالأمس سجن جد البشرية أو أبا
البشرية (بروميثوس) بأصقاد عند جذع شجرة , لكنه انقذه هرقل.
لكن نتساءل من انقذ (أونتجون) , ومن انقذ
(ديدالوس) من السجنين مها من (هيديز) ومن
( تلافيف متاهة جزيرة كريت ) !؟
اسأل التأويل :
حين وجد ( ألفريد فريود) تفسيرا تهوريا لسجن
(ثيسيوس) أو متاهة جزيرة كريت , حين أعتبر أنها تمثل ولادة شرجية , فالمسالك
الملتوية (تلافيف المتاهة) هي الأحشاء , و خيط (اريادني) هو الحبل السري.
قد يقول ايضا ان (بروميثيوس) سجينا او مقيدا هو استطاع ان يبقي النار في قمع
قضيبي الشكل , تعففا , بحبس السائل الذي كان سيطفؤها.
اذن الأساطير هي بروز للتصورات , تفسر لهم
ما يجري في اللا وعيهم .
