أحمد إسكندر سليمان
سوريا
..
1973
_____
في الجهة الجنوبية لشاطئ أم الطيور
حيث تبدأ الصخور
بالظهور نابتة بين الرمال ، او كجزر صغيرة عائمة ، كنت أسبح عاريا تماما كما أتيت
للعالم ، متوحدا مع زبد الأمواج وضوء الظهيرة العارمة .
كان
هذا مكاني السرّي في
سبعينات القرن الماضي ، حيث العزلة التامة ، والهدوء الذي لم تلوّثه المعرفة
والعادة .
كنت أردّد كلمات رامبو
عن مزيج الشمس والبحر ومعرفة الأبدية ، مأخوذا ونشوانا بالإضاءة التامة ومستسلما
للماء عاريا كأصابع طفل تتراقص وهي تلمس الهواء .
كنت أحمل كتبي وبعض
النقود الكافية لإستئجار غرفة في أحد البساتين القريبة ، أو خيمة من أغصان الشجر
يبنيها أحد المزارعين على الشاطئ ، ويؤجرها بمبلغ زهيد حتى بمعايير تلك الأيام .
هناك قرأت الأخوة
كارامازوف وفصل في الجحيم وزارادشت والكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد قبل أن أفكّر بكتابة جملة واحدة على دفاتري .
في الجهة الجنوبية
للشاطئ حيث لا يمكن أن يفكر أحد بالسباحة هناك كنت أسبح عاريا كل يوم وقت الظهيرة
حين لن يجرؤ أحد على السباحة في الحرارة العالية معرضا نفسه للحروق البليغة
والمؤلمة ، وإلى جوار شجرة قريبة من الشاطئ ، كنت أترك ماكان علي مع منشفة أضعها
تحت رأسي حين أغفو تحت الشجرة بعد خروجي من الماء .
كنت على وشك الخروج
حين رأيتها قادمة نحو
الشجرة
استرخيت وراء إحدى
الصخور في الماء ، ولكنني حين استرجعت صورتها في ذهني ، وأنا أتساءل عن سبب قدومها
في هذا الوقت الذي لا يخرج فيه أحد ، انتبهت بأنها كانت تحمل حبلا في يدها ، وحين
تخيّلت بأنها قد تصنع أرجوحة على الشجرة التي أضع ثيابي قريبة منها ، آلمني أن
أشعر بأنني سأبقى وقتا طويلا في الماء ، ولكن حين خطر في ذهني بأنّها قد تكون
قادمة إلى هذا المكان من أجل الانتحار بواسطة الحبل الذي ستربطه إلى الشجرة ، رفعت
رأسي فوق الصخرة ، لأراها تربط الحبل كما لو أنها تصنع مشنقة ، لم أتمالك نفسي
فخرجت من وراء الصخرة ومشيت باتجاهها عاريا ، وانا أصرخ بها بكل قوة عما تفعله
بالحبل .
حين رأتني عاريا بشكل
مفاجىء ، وقادما باتجاهها وانا أصرخ بها تركت الحبل من يدها وراحت تركض ، حتى غابت
عن نظري في الشمال البعيد .
ارتديت شورتي ، وفرشت
المنشفة على الأرض ، وحين تمددت تحت الشجرة ، بقي الحبل فوق رأسي ، كنت مرتاحا
للغاية وانا أشعر بأنني أنقذت أحدا ما من الانتحار ، ولكنني كنت أشعر أيضا بأنّها
كانت مأخوذة بسبب لا بد بأنها اكتشفت بأنه غير كاف ليكون دافعا للموت ، فركضت بتلك
القوة التي جعلت كواحلها تلطم بمؤخرتها
و
جعلتني أضحك
حتى غفوت
_____________________________
من منشورات 2012