...... الحكواتي
......جمال الأغواني
أصر رواد المقهى القديم على (الحكواتي ) أن يخرجهم في تلك الليلة من سير
الفتنازيا التاريخية التي اعتاد أن يرويها ويكررها لهم على مر السنين ....فبالرغم
من أنه في كل مرة يروي فيها السير الشعبية يبدل بالشكل والمضمون ....فيغير الأحداث
....يضيف قصصا ويحذف أخرى ....يؤخر حدثا ويقدم آخر.... إلا أنهم خبروا كل أساليبه
وإبداعاته المختلقة فصاروا يتوقعون حتى القصص التي قد يخترعها في حينها ....ولم
يعد فيما يرويه ما يلهب مخيلتهم ولا ما يؤجج مشاعر الفروسية والبطولة في خمولهم
المتأصل....في كل يوم يتكرر المشهد ذاته يعرفون ما سيسمعون يتأثرون بلاوعي لأن
عقلهم الباطن حفظ مواطن التأثر ....حتى كوب الشاي باتوا يعرفون مواصفاته من أسلوب
تقديم صاحب المقهى له ....ملامح وجهه تخبرهم إن كان خفيفا أو كثيفا حلوا أو متوسط
الحلاوة ساخنا أو معتدلا.....ما عاد في المقهى ما ينسيهم تعب العمل في يومهم
الطويل.....وتحت إصرارهم الشديد قال (الحكواتي ): سأحكي لكم اليوم قصة قصيرة من واقعنا
المعاش ....في هذه القصة إشارات واضحة فيها القليل من النقد لنمط حياتنا
وتعاملاتنا ....ولكن خشية أن تفسر هذه الإشارات بشكل ما كنت لأعنيه أو أقصده سأحذف
فقط هذه الإشارات ....القصة بالغة الأهمية
لها مدلولات عميقة الأثر في المجتمع وفي الأجيال المتباعدة رغم حدوثها في زمننا
الحالي .... ولكن الخوف من الفهم الخاطئ
لهذه المدلولات وتفسيرها بشكل سياسي قد أحاسب عليه سيضطرني لحذف المدلولات من
القصة .... وللقصة أيضا مغزى عميق للعقول والأفهام ولأرباب العلوم والثقافة ....
ولكن خشية أن أتهم بتبني اية إيديولوجية وخشية التورط بأي شكل قانوني أو مساءلتي
حول ما قد يحوّر ويؤّل من القصد لذلك المغزى سأحذف المغزى من القصة.... للقصة
عراقة وأصالة تستحث القيم وتعمل على ترسيخ المبادئ والتمسك بالموروث الثقافي
الأصيل.... ولكن لخوفي من اتهامي بالتطرف والرجعية سأحذف هذه الفقرة من القصة
......ولكن مازال للقصة عبر يستخلص منها القارئ ما قد يفيده في أمور حياته ومعيشته
ولكن خوفا من تأويل هذه العبر وإسقاطها على واقع لم أقصد أن أقربه بشكل أو بآخر
سأحذف العبر من القصة .... ولأن أشخاص القصة التي تدور حولهم الأحداث هم أشخاص
حقيقيون يعيشون بيننا وخشية إثارة حفيظتهم والخوف من مقاضاتهم لي سأحذف الأشخاص
كلهم ......ولأن القصة لم يبق منها شيء ليقال بعد حذف ما أخافه وأخشى المساءلة
عليه سأحاول أن أكون شجاعا ومجازفا لأبعد الحدود وربما انتحاريا وأقول لكم أن
القصة اسمها حكايتنا.
......جمال الأغواني