في مقهى مكسيكو
عباس سمامي.
في مقهى مكسيكو كل شيء يدعو الى الرتابة لولا أعمال الصيانة التي يقوم بها عمال منهكون أصلا .أراهم يتلكؤون عن تشمير ساعد الجد .الرسومات على الجدران باهتة بفعل الشمس والامطار وتقادم الزمن .النافورة الصغيرة التي شاخت صنابيرها .لربما أنهكتها الايام. شجيرات النخيل وحدها بقيت لتضفي على المكان حيوية وتزيده جمالا .
وتلك العجوز وهي تلاعب
حفيديها وتتحدث بصوتها الجهوري ما يخجل
ابنتيها معا .
الكبرى تمسك بيدها تطلب
منها ألا ترفع صوتها أكثر وهي تثرثر مع احداهن على الهاتف ببنما الصغرى التي أكثرت الاصباغ على وجهها
وتزيت بلباس يظهر أكثر مما يخفي .تخجل وهي تغمز أمها بعينيها أن خفظي صوتك أمي
رجاء .
هنا لم تكن الا عيناك
تحاولان ب جذبي بكل قوة وربما انقاذي من كل تحطم وشيك قد ياتي على يابس واخضر .
عيناك تحاولان بالاحرى سرقتي في غفلة مني قبل أن أصحو وأركب رأسي لابعادي عن كل ما من شأنه .
وأنا معك أتذكر صديقتي
التي كانت نصيحتها أن ألج علاقة عابرة .ربما قد تكفي للعودة بي الى سالف عهدي
وتعيد لي قوتي التي أكاد أفتقدها لاتخاذ قرار جريئ وشجاع
.
وأنا معك لم تكن معي
سوى عينيك وكلما زغت ببصرك بعيدا وانتابك شرود عميق .أقولها لك صراحة :
أين تهت صديقتي ؟؟.
أين تغيبين وبم
تفكرين؟؟؟ ..
أسعدني لقاؤك كثيرا
تحديك لنفسك .نظراتك الحائرة مع أسئلة قليلة . كنت أعرف أن الخجل كان ينال منك يكاد ينهش دواخلك لذلك تركتني
أتحدث وأتحدث وأتحدث وكلما ابتسمت من أعماقك دفعتني دفعا كي أتحدث رغم أني كنت أعي
أنه يتحتم علي أن أفسح لك المجال للحديث
..
كان يكفيني حينها أن
تشيري لي برأسك بين فينة وأخرى وأحيانا تتلصصين على العائلة التي تجلس في
الجوار.مخافة أن تلفت احدى الفتاتين نظري
.وكنت أؤكد لك أني لم أهتم لأمرهما أبدا ولن أهتم
..
وأنت معي طلبت منك أن
ترفعي كل كلفة بيننا .أن تكوني عفوية لا أكثر .
وأنا انظر اليك أو
بالاحرى الى عينيك .. كنت أتساءل .لماذا تأسرني الأعين غالبا ..لماذا تصيبني بمقتل
كما في السابق .
وأنت معي وقد أدركت أني
أطنبت في الحديث .تركت لك الكلمة .الكلمة التي أحسست أنها تكاد لا تتعدى حنجرتك
الا بصعوبة بالغة فتبتسمين وتزيغين بعيدا بينما آخذ بزمام الحديث .
النادل الذي مر بالجميع
تناسانا أو كأنه تعمد عندما تأخر عنا بداية فذهبت اليه لأجل الطلبات .
معك مر الوقت سريعا دون
أن نشعر به وأنت معي ...
كنت أتساءل بيني وبين
نفسي
هل أنت المراة التي قد يكتب لي أن أمضي وإياها ما تبقى من
العمر ؟؟ ..
هل أنت المراة التي حلمت بها طويلا ؟؟
وكنت أعود بخفي حنين
لأسئلتي التي كانت أكبر منك ومني..
كنت أقرا في عينيك ما لم تستطع شفتاك البوح به .كنت أعرف أن قلبي
قد يأبى أن يفتح أبوابه لك وهو الذي عانى طويلا وأدى الثمن أضعافا مضاعفة .حتى
أنه فقد ثقته في كل امراة مهما كانت .
حينها كان عقلي في حالة تأهب قسوى .وهو الذي أعلن الطواريء من
زمن ولى وتقادم .
عقلي كان حينها يعد كل
أسلحته لرفعها في وجه قلبي لو تطلب الأمر أو رآه قد فتح لك ولو كوة صغيرة من كواته
..
كنت أفكر وأنا أستحثك
بين حين وأخر للحديث .للتعبير عما قد يخالج قلبك وعقلك .كنت أعرف أن أمرك ليس بيدك
.كما أخبرتني .أنت دائما أمام رغبة والديك معا ورهن إشارتهما معا .كنت سألتك أن تجسي نبض والدتك على الأقل
فتخبريني ردها لكنك اعتذرت بأنك لاتستطيعين .
مؤسف حقا .أن أغلب العلاقات الجميلة والصادقة قد
تنهار لحماقة هذا وذاك .وقد يكون الواحد شاهدا على نفسه وهو يذبحها لا لذنب جنته
ولكن لأنه لم يكن واضحا من البداية ..
حينها خيم السكون علينا
معا ..نهض كثير من الرواد للمغادرة .فما
كان علينا إلا ان نحذو حذوهم نحن أيضا
ونغادر .
سيارة أجرة صغيرة كانت كافية لتبعدنا عن المقهى في
لمح البصر...
على حافة المحطة
الصغيرة . توادعنا وداعا باهتا باردا .وكأنا نعلن النهاية الى غير رجعة ..
عباس سمامي.
المغرب