قصة قصيرة
العنوان/ سياط العوز
بقلمي...محمد الباشا/العراق
ربما أخطأ أبي عندما
فتح باب الولادات المتعددة ، انا أكبر أخوتي لم أتجاوز 15سنة ، الفقر يضرب سواحلنا
بعنف مرير ، أجد أبي مطأطأ الرأس من أمدادات المساعدة ، رغم هذا فالجوع راح يترك
اثاره على أجسادنا الناحلة ، في ذات الوقت كان هناك من الناس الأثرياء من يراقبنا
أنا وأخوتي حسداً ، ويتأمل أعداد الصبية ويتمناهم عبيداً عنده ، كنت في السوق مع
ابي وأخوتي فراح أحد الأغنياء يعرض على أبي أن يكون أخي ( 13سنة ) خادماً له في
قصره البعيد عن المدينة فقال لأبي :
_ ما رائيك أن تهبني
هذا الولد ، ليكون خادماً لقصري الذي في البلد ، وسأعطيك مالاً يجعلك لا تحتاج
بعده لأحد ، على أن لا تسأل عنه ولا يكون مع أولادك من العدد ، وتنسى تواجده معك
للأبد .
تهاوى أبي أمام ضربات
الحرمان ، الأستسلام راح يجعل منه أنساناً ينتمي لعصور الجاهلية ، رضخ أبي لرايات
العبودية ، وضع قضبان الرق والأصفاد بيد الرقة ليحزها ، ليساعد في عودة هيبة
الطغاة بعدما دحرتها الأديان والأعراف والمدنية ، أستلم مبلغاً فرمى بأخي الى
جزيرة الضياع فقال لسيد أخي :
_ ربما الدهر كان
بخيلاً فصار يجافيني ، لكن علي أن أضحي بأحد اولادي ليغنيني ، لن أكون قاسياً على
اولادي بالباقي من سنيني ، تضحيات ولدي ستساعدني وتحييني ، العقل يستوجب على أحد
أولادي أن يفديني ، أنا وأمه والباقي منهم ولا يعييني ، لأمنح صدى الأحزان أستراحة
لعل الزمن ينسى وجعي وأنيني .
رفضنا لم يكن له وقع
على قرار أبي ، أخي تركناه في مزاد بيع مباشر ، عدنا الى البيت برؤوس منكسة ، لغة
التمرد كانت واضحة على أنفعالاتنا انا واخوتي الباقين ، كرباج القحط فتت عضد
العائلة ، دخلنا الى البيت وأذا بأمي تسأل عن أخي :
_ لقد رجعتم بعدد
متناقص وخذلان ، أين أخوكم ألم تخرجوا سوياً بكل أمان ، هل سيتأخر أم أنه سيأتي
بعد موعد العشاء بأوان ، لم لا تجيبوا أين أخوكم ألا يخبرني أحدكم ولم هذه الأحزان
، هل جرى عليه مكروه لا تتركوا قلبي عليه حيران ؟
وجدت لهفة أمي وقرأت
بعيونها الحنين فقلت لها والدموع تتهاطل :
_ أمي لقد ذهب أخونا
بعدما باعه أبي بسعر زهيد ، لقد أحيا أبي وصاحبه الغني زمن الطغاة من جديد ، ها هو
أخي قد بيع في سوق العبيد ، فلم يكن رأي أبي حكيماً او سديد ، وأظننا على طريق أخي
كالصعاليك نباع تباعاً فيا لقلب أبي كم هو قاس وشديد ، وكم هو مصر على أذلالنا وكم
هو عنيد .
توجهت أمي بنظرات حاقدة
الى أبي فقالت :
_ كيف هان عليك بيع
ولدي الصغير ، لم أستسلمت للحاجة والعوز الحقير ، هل انت في الدنيا أول أو آخر
فقير ، تباً لك من صاحب رأي بائس وجاهل وضرير ، عد لوعيك فأولادك نعمة من الله
وخير وفير ، لا تحرق قلوبنا بفعلتك لأنك ستبات ليلتك وقلبك حسير .
بعدما سمع اعتراضنا
وكلمات أمي ودموعها ، سكت أبي بعد ذلك فصار يسمعنا كلمات الندم وهو يقول :
_ طالما ترك الفقر
وشماً على جسدي وعلامات ، كم ليلة بت أنتظر الصبح لعله يأتي لي بالهبات ، ما كنت
مستسلماً وبقيت رفيق الدمعات ، عشت عزيزاً في كوخ المودة رغم الآهات ، لذا لن ألوث
تلك الصور والذكريات ، سأنتفض على الأيام وأن كنت من الأموات ، لن أدع الأستعباد
ينال من أولادي ويعيشوا دوامات ، أشباح الجوع ستنسى لكن كيف تنسون موقفي أذا بقيت
على عنادي وتعيشوا المعاناة ، لذا سأقبر أغنية الذل في سراديب الأصرار على الحياة
، وسأواجه ظلام الدروب بوعي وأدراك وأمنيات ، سأوقد شموع الأيمان بالله في ليالي
العوز والنكبات .
أنتفض أبي من مكانه
فراح يهرول الى باب الدار وهو يصيح :
_ أعيدوا لي ولدي قبل
أن يعرق له جبين ، أرضاءا لسادة التكبر والجور من السلاطين ، فو الله لن استسلم
لضربات القحط وعليه أتوكل وبه أستعين ، سأستجمع قوى العزيمة لأرتدي ثوباً أباهي به
الآخرين ، وسأحافظ على أولادي فهم ذخيرتي وسندي المتين ، وأحافظ على أواصر الوداد
في عائلتي لنكون مثلاً لباقي العالمين ، والله المعين .
بقلمي...محمد
الباشا/العراق