محمد حبشي / مصر ..
آخر الليل ،
حين تخلو من النقود
جيوب الزبائن ،
وكراسي المقهى من
الموتى ،
تكنسُ الريحُ بقايا
الكلام ،
الضحكات المصطنعة ،
النكات السخيفة التي
سقطت على الأرض ..
آخر الليل ،
يمسحُ أحد الجرحى عن
أوجه الطاولات الفارغة ،
الدموع التي لم تسقط في
أكواب الشاي ،
فناجين القهوة ، كؤؤس
العصير ،
وبجلده السميك سراميك
الحائط ،
وبكرامته المنشورة
في صفحة
الوفيات ،
المرايات / رخام
الواجهة / زجاج النافذة ..
آخر الليل ،
حين تنطفئ النجوم ،
التي تتدلى من عيون
السقف ،
ألملمُ أحزاني / أقلامي
/ أوراق البردي ،
أحلامي التي تناثرت
مع دخان سجائري في
الهواء ،
وأمضي مسرعاً ،
قبل أن تغلق الشياطين
على جثتي أبواب القصيدة ..
آخر الليل ،
حين يتسعُ الفراغ ،
ويضيق الصدر ،
ويرافقني نباح الكلاب
الضالة
إلى البيت ،
أتسلق مواسير الذاكرة ،
أصعدُ
ك اللصوصِ ،
من سلالم حزني الخلفية في
صمت ،
أفتح بهدوء باب مقبرتي
،
ألتهمُ خلسةً أشلاء
فرخةٍ باردة ،
تختبئ في درج الثلاجة
من الحر ..
أتسلل إلى تابوتي
على أطراف
أصابعي ،
كي لا أزعج الموتى ،
أو أوقظ ملائكتي الصغار
،
أو ( الشيطانة التي
أحبتني ) من النوم ..
أول النهار ،
في السادسة والنصف
تماماً ،
حين تدق ساعتي
البيولوجية المعلقة
فوق رأسي المحشوة
بالرمل ،
والأفكار المزعجة ،
أقفز من تابوتي مسرعاً
،
أغتسلُ
من الكوابيس ،
أرتدي على عجل كفناً
نظيف ،
وأنا أحتسي فنجاناً من
القهوة باللبن ،
مع حبتين من التمر ..
يسبقني حذائي
إلى سلالم
المترو ،
أقطع وظلي ، تذكرتين
إلى الآخرة ..
أصل إلى الجحيم
مبكراً ،
قبل أن يخصم عزرائيل
كعادته ، نصف يوم ..
أول الليل ،
أعود من جديد إلى
المقهى ، كي أكمل القصيدة ،
وأنا أقتسمُ الجوعَ مع
ظلي ،
ومع أصدقائي
الموتى ،
ساندويتشاً فارغاً من
الفول ،
وآخر خالياً من الطعمية
..
أتذكر ،
وأنا أنتظرُ
مع أحمد مظهر ، وصلاح
ذو الفقار ،
بعد الثورة ، في مقهى
أسفل " فندق الأمرا " ،
مرور كوزين من الذرة
المشوي ،
أو قطعة بسبوسة
من الحرف ،
حين كنت أتناول عشائي
كل مساء ،
في كلوب ( محمد علي ) ،
أو ( فيش ماركت ) ،
ثم أدخن
حجرين من الشيشة في أحد
المراكب النيلية ..
أتذكر ،
وأنا أبتسم
لمقعدٍ في الركن ،
يحتضنُ في أحلام اليقظة
،
مؤخرة امرأة ،
تشبهُ صباح ، كانت تجلس
عليهِ بالأمس ،
أتذكر ،
حين كان يداعب ساقيها ،
ب أصابعه الخشبية ،
بينما أم كلثوم ،
تغني على " الأطلال
" ، و " ودارت الأيام " ،
دون أن تحمل في يدها
بندقية ..
محمد حبشي / مصر ..