* القاعدة والإستثناء
في صيرورة الأنواع الأدبية
عبد علي حسن
سأقوم عبر الأسطر القليلة القادمة بترحيل
ثنائية (القاعدة والإستثناء) من حقلها المعرفي / الفقهي تحديدا ، الىٰ الحقل
الادبي واعتبارها كمعيارية لعملية الصيرورة والتطور الحاصل وبشكل مستمر في الأجناس
والأنواع الأدبية ، فمن المعروف أن الكتابة في أي جنس
أو نوع تستوجب بحثاً دائماً يفضي بها الىٰ
الخروجِ علىٰ الأنماطِ السائدةِ ، لتشكّلَ استثناءً للقواعدِ التي خرجت عليها ،
وهذا لايعني نفي القواعد ، إذ أنَّ هذا الإستثناء يؤكد تلكَ القواعد من جهةٍ
ويتطلّعُ الىٰ تجاوزها والتوصّلِ لوضعِ قواعدجديدةٍ ستتعرّضُ هي الأخرىٰ الىٰ
ظهورِ استثناءٍ جديد بفعل صيرورة وحراك الحياة وتفاصيلها المتحولة دائماً ، وهكذا
تتوالد الإستثناءات لتخليق صيرورةَ الجنس أو النوع ، وأؤكدُ هنا علىٰ أن القاعدة
لا تخلق معها استثناءها ، وانما يظهر الاستثناء أثناء البحث الدائم الذي يستوجب
تجاوز السائد الذي كرّستهُ القاعدة ، فعلى سبيل المثال فإن قصيدة التفعيلة التي
ظهرت في اربعينيات القرن الماضي تُعدُّ استثناءً للقواعد التي كرّستها القصيدة
العمودية / نظام الشطرين ، وكان ظهورها -- قصيدة التفعيلة -- نتيجة البحث لتجاوز
السائد / العمودي ، وبمعنىً ٱخر فإن الاستثناء يظهر لاحقاً وليس تزامناً مع ظهور
القاعدة ، وبالامكان عدًُ القصيدة الحرّة الخالية من الوزن والقافية استثناءً
لقواعد قصيدة التفعيلة إلّا أنها لم تنفِ القاعدة الجوهرية لقصيدة التفعيلة وهي
مبدأ الشعرية ، كما أن قصيدة النثر تُعدُّ استثناء لأنساق الكتابة النثرية التي
تتحول الى وسيط لتحقيق شعرية النثر ، إلّا أنها لم تنفِ السياقات النثرية كنظام
الفقرة النثرية والسرد ، وفي ذات الوقت شكّلت هذا الوسيط النثري خروجاً/ استثناءً
لقواعد النثر بعدهِ نظاماً لغوياً إخباريا/ كوسيط تواصلي على مستوى الاستهلاك
والاستخدام اللغوي ، استنتج من ذلك أن الاستثناء يحافظ على بعض من جوهر القاعدة
ولاينفيه ، وفي ذات الوقت يخرج عليها صوب تخليق قواعد جديدة ، ومن هنا تتبدّىٰ لنا
فاعلية القاعدة والإستثناء في صيرورة الأجناس والأنواع الأدبية ، فليس هنالك شيء
ينشأُ أو يظهر من فراغ وبدون أبوّة ، ومن هنا أيضاً تتبدىٰ ضرورة الهوية الخاصة
للنصِّ ومرجعيته الإجناسية ، إذ ظلّت مقولة (النوع) موضوعاً دائما للحوار والجدل
منذ أرسطو وافلاطون وحتى نقد مابعد الحداثة الذين سخروا من نظرية النوع ، لكنها
ظلّت كذلك أداة من أدوات الفكر الإنساني التي لاغنى له عنها في سعيه المحموم
للإمساك بالعالم المنفلت وفهمه وإدراكه .
عبد علي حسن