لُغَتُنا الجَميلة
حامد حبيب
*ذهب ذلك الزمنُ الجميل..حُرِمنا من
روعاتِه..كانت الإذاعةُ المصريّة مدرسةً أحببناها وتعلّمنا منها الكثير
وساهمت بجُزءٍ كبيرٍ فى
تكويننا الثقافى، وفى خلق
علاقاتٍ من نَوعٍ فريدٍ
فى حياتِنا مع أشخاصٍ لم نقابلهم ، ولم يُكتَب لنا لقاءٌ بهم ، ومع برامجَ كانت
لنا معها عِشرةٌ طيّبة على مدار سنواتٍ طويلة. وبرغم كل هذه التطوّرات التى حدثت ،
وهذا الزخم من القنوات التليفزيونية،والمحطات الإذاعية، وتلك الوسائط الحديثة، إلاّ
أننا لم نعثُر على مايوازى شيئاً من روعةِ ذلك الماضى الجميل، فذلك كمٌّ ،زحامٌ
بلا
معنى،بلا تأثيرٌ
،بلاقيمة فى كثيرٍ منه، وذلك المبنى الشاهق الذى صرتُ أسكنُه، لايستطيعُ أن ينازِع
بيتَ جدّتى البسيط فى تأثيره الروحى و دفء علاقاتِه..
*ننتظر بلهفةِ المُشتاق
برنامج " زيارة لمكتبة فلان"
.."المثقّفون
العرب يلتقون" ..[ لُغتُنا الجميلة ] وذلك
الصوتَ الدافئ الفصيح
،وتلك النبرةَ التى تعوّدنا عليها..نلتفُّ حول "الراديو"صديقنا الحميم
لنستمع إلى (فاروق شوشة). فاروق شوشة الذى مازال واحداً من ذكرياتنا التى لن تُمحى
، وصوته الذى مازال مطبوعاً فى أذهاننا ، حيّاً فى آذاننا التى كانت تعشق أن تسمعَ
هذا الإسم ، والذى كان يسبقه ذلك الصوت الإذاعى ببيت شاعرِ النيل(حافظ إبراهيم):
أنا
البحرُ فى أحشائه الدُّرُّ
كامِنٌ
فهل ساءلوا الغوَّاصَ عن صدفاتى
*فاروق شوشة الذى فقدته
مصر ، وفقده الشعر العربى صباح يوم الجمعة(١٤-١٠-٢٠١٦م)..المولود
فى (٩يناير١٩٣٦م) بقرية
الشُّعَراء بمحافظة دمياط..
_يقول عن
قريته:"سُمّيَت بهذا الإسم،لأنها كانت مركزاً لمُعسكر للشعراء أيام الحروب
الصليبية...وُلدتُ
فى قرية"
الشعراء"وتفتّحت عيناى فى بيتٍ يحب الشعرَ والأدب،وبه مكتبةٌ عامرة، وحرص أبى
الذى كان مدرّساً على أن يضُمَّ إليها أهم المؤلّفات الأدبية القديمة والحديثة ،
وأغرمتُ بالشعر منذ كنتُ فى العاشرة،حتى أننى فى نهاية المرحلة الثانوية كتبتُ
مسرحيّة شعرية أسميتُها "على مسرح التاريخ" ولم يكن لدىّ المال وقتئذٍ
لطبعها، فجمعتُ اشتراكات وطبعتُها فى مطبعة دمياط ووُزِّعَ منها ٥٠٠نسخة"
*كان أبوه شاعراً
قديراً أيضاً،واختار أن يُسمّى كلَّ أبنائه على حرف الفاء،كان
أكبرهم(فاروق)ثم(فخرى
و(فيصل)و(فوّاز)و(فؤاد)و(فيكتوريا)و(فريدة)
و(فريال)و(فدوى)و(فاتن).
*تخرّج فى كلية دار
العلوم سنة١٩٥٦م،وفى كلية التربية ،جامعة عين شمس١٩٥٧ للتخصُّص فى التدريس لمدة
سنة، وعُيِّن مدرّساً للغة العربية والدين الإسلامي بمدرسة "النقراشي
النموذجية"
لمدة عام،ثم امتحن ودخل
الإذاعة بقسم المذيعين
عام١٩٥٨م، وخلال تلك
الفترة،قدّم برنامجَين عن
الشعر:أحدهما فى
البرنامج الثانى"البرنامج الثقافى الآن"،واسمه"صوت
الشاعر"،والآخر فى البرنامج العام ،واسمه"روائع الشعر" ،ثم
برنامج"الشعر والموسيقى" فى التليفزيون. وتدرّج فى وظائفها
حتى أصبح رئيساً لها
عام١٩٩٤م،وعمل أستاذاً للأدب العربى بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
*وقد تبنّاهُ إذاعياً
منذ التحاقه بالإذاعة(عبد الحميد الحديدى)مدير الإذاعة المصرية فى ذلك الوقت،
وزوّجه من ابنته
الإذاعية القديرة(هالة الحديدى)
وأنجب منها:( يارا
)و(رنا).
*كان من أهم برامجه
الإذاعية: "لُغتُنا الجميلة" منذ
عام ١٩٦٧م، وفى
التليفزيون:"أمسية ثقافية"منذ عام ١٩٧٧م.
*كان عضواً بمجمع اللغة
العربية، ورئيس لجنتى النصوص بالإذاعة والتليفزيون،وعضو لجنة الشعر
بالمجلس الأعلى
للثقافة، ورئيس لجنة المؤلّفين والمُلحّنين .
*ومن دواوينه
الشعرية:إلى مسافرة_لؤلؤة فى القلب_العيون المحترقة_يقول الدم العربى_سيدة
الماء_الجميلة تنزل إلى النهر_حبيبة والقمر"شعر للأطفال"..ودواوين أخرى.
*وله مؤلّفاتٌ كثيرة
،منها: لغتُنا الجميلة_العلاجُ بالشعر_أحلى عشرين قصيدة فى الحب الإلهى_
لغتنا الجميلة ومشكلات
المعاصرة.
*حصل على جائزة الدولة
فى الشعر١٩٨٦_جائزة الدولة التقديرية فى الآداب١٩٩٧م_جائزة النيل،....
*يحتاج الحديث عن فاروق
شوشة وقتاً طويلاً...
عن برامجه..عن صوته
العذب..عن أشعاره، تلك التى اخترنا منها، من قصيدته"الدائرة المُحكَمة":
__________________
ظننتُ بأنَّكِ فى
الروعِ حصنى
ملاذى وأمنى
وزادى إذا جُعتُ
كهفى إذ خلعتنى القبائل
واختطفتنى الأسفة
وهاأنتِ عارية تشترين
البقايا
تكشَّفَ وجهُك لى
.......
وجدتُك راجمة الأنبياء
وقاتلة الشعراء
ومُخرسة الألسنة
وجدتُك عاتيةَ القهر
شامخةَ العُمر
فاسدةَ الأمكنة
_____________
* سيبقى ذلك الصوتُ
أليفاً لأسماعنا... تعوّدنا عليه، عشنا
معه زمناً جميلاً ،زمناً كان جميلاً بِحق ،عشقناه
ونشتاقُ إليه.
_______________________
حامد حبيب _ مصر