جنان الحسن
خريف
هذا المساء وقبل حلول
الظلام تحت الشجرة الكبيرة ..
وعلى أحد مقاعد الحديقة
الشاغرة بسبب نسمات الخريف الباردة .. التي كانت تحرك كل ماحولها .. بكامل الهدوء
حط رحاله ..
كانت الريح تداعب أوراق
الأشجار .. فيصدر منها صوت يشابه صوت أساور راقصة هندية معصمها أصغر منهما ومن
حديثهما فاختلطا معا رنين الأساور برنين الخلخال ..
وثمار الصنوبر تتدلى
فوق رأسه وكأنها زينة الميلاد ..
لاحت له سيدة عجوز تسير
من بعيد تقطع الطريق عبر الحديقة من بوابة لأخرى ..
تفرد على كتفيها شالا
رماديا ..
همس لنفسه: أعرف هذا
الشال ..
عاد بذاكرته للبعيد ..
استحضر صورة أمه وهي
تضع شالها الرمادي ذاك كل عام منذ بدايات الخريف حتى نهايات الربيع ..
سنوات مضت لم يرها بها
..
أتراها مازالت تضعه حين
يحل البرد ..
يداعبها بإستمرار
قائلا: كيف ترتدين ثيابا صيفية وتضعين شالا شتويا ؟
تجيبه ضاحكة: ثيابي لي
والشال لعيون الأخرين .. أنت تعرفني لا أطيق الملابس الثقيلة ..
منذ سنوات لم يتصل بها
أو يكلمها ولم يسمع صوتها .. ولم يرها ..
أحيانا كان يراها في الحلم تبتسم له ..
فيقرر أن يزورها في أول
إجازة له من عمله ..
لكن ما تلبث دوامة
العمل والعائلة أن تسرقه من تلك الفكرة ..
فيغيب عنها وكأنها لم
تمر بالبال أبدا ..
هذه المرة سيزورها ..
لن يستطيع أن يتغيب
مهما حاول التهرب من هذا اللقاء ..
هذا الصباح أخبره
الطبيب بأن المرض قد تفشى في جسده وأن أيامه في الحياة لن تتجاوز مدة الشهرين ..
ردد هامسا:
- لم يتبقى الكثير
للقاء يا أماه ..
شهران فقط وسآتي
للزيارة .