اضحك.. الأمور على ما يرام .. إلى روح الصديق القاص السوهاجي.. عماد شكري سعد الله
محب خيري الجمَّال
اضحك.. الأمور على ما يرام .. إلى روح الصديق القاص السوهاجي.. عماد شكري سعد الله
ربما لم أقل لك شيئا
مهما
عن الوجع المخلص
للحياة..
وكيف كنا نحلق كعلامات
وحروف طرية
في قائمة الأمنيات..
ربما ليس هناك متسع في
الحياة
لنقطع دابر الأحلام
التي ارهقها المشي طويلا
في نهايات متشابهة..
نعم يا صديقي انقطع
الخيط منا
ونحن نرشو الثقوب بحكمة
بالغة
ونحن نتابع نشرة
الأخبار العاجلة
عن مذبحة ضلت طريقها في
العاصفة..
ونحن نمسح العتمة
الباهتة
بجرائد الصباح
لم نكن نعرف ماذا نفعل!
نقوم مبكرا.. أنت تقرأ
قصة جديدة
ثم تمحوها لأنها لا
تناسب دور المحاسب
أقول لك أنني بأربعة
ارطال من البطاطا
لسد وخز المعدة بعت ربع مكتبتي
وتضحك هذا جنون
لست مجنونا على أي حال
ما تبقى من خيال ووهم
الصعود المقدس
أختفى من تلقاء نفسه.
أنت لم تشاهد عظامي
كيف كانت تُدفع بشراهة
على عربة الروبابيكيا
كان قرارا صائبا..
مدحني فيه الشرود
والشتات
استطيع الآن أن الصق
ظهري بالحائط
وأتمرغ في خرائبي..
أرتدي خسارتي
واستمع لصوت العقل:
لا تكتب شيئا أرجوك..
مات "عماد شكري"
بينما كنت أصفق لتلك
الهجمة الخاطفة
بدمعتين من حياتي
المظلمة..،
💚
لا تمضِ هكذا قبل أن
أعود إلي "سوهاج"
على أحد ما في هذا
العالم
أن يخبرني كيف أعود..
أنا الذي قتلتني كل
الحروب
من الطابق الأول
للحكاية قلت للقصيدة
أنت الآن حرة يا بنت
قلبي اذهبي بسلام
ولا تعودي أنا غير جدير
بتربيتك
لا شيء بحوزتي لأتركه
لكِ.
ثمة موت سوف يأتي
وهذه فرصتي الأخيرة
لأتخفف من سيرتي
دون أن يشتمني
القارئ..،
💚
تذكر..،
الأدوار التي لعبناها على
الحبل
الخروج بعد منتصف الليل
لاصطياد النجوم
زغزغة النيل في فنجان
القهوة السادة
تعذيب قلم الرصاص في
مسابقة رسم الشفاه
قتل الطريق بحراسة آخر
نفس دخان تعذبه الذكريات
قبل انقلاب النكتة
السخيفة في صحن العسل..
اغراءات المطلقات
والأرامل
وغلق البلكون من السابعة
مساءً
كيس البن الفارغ
بالعزلة
عض ركبة الصباح في لوحة
الخيول
التي تتراكض مع صوت
"أم كلثوم".
الفيلم الوثائقي عن
الحرب العالميةالثانية
عام ١٩٣٧م الذي أرهقني
لمعان قسوته
التي تتطاول داخلي
كغيمة تبكي من وحل الطرقات..
صور "سعاد
حسني" التي تغطي جسد الملاءات
بدفء وحب
الرقص عرايا على
"شط إسكندرية"
من وراء
"فيروز" حتى لا نُتهم بالجنون وقلة الأدب..
تقليد صوت "
جاهين"
"أنا راح مني كمان
حاجة كبيرة.. أكبر من إني أجيب ليه سيرة"
إلقائي لعلاج حساسية
الصدر من مدخل الوجع
لآخر نقطة من تقرحات
الرواية.
اطمئن يا صديقي أنا الآن
ألقي بمسكنات وجع الفقرات والمفاصل والقولون للقصائد المبتورة
لتنبت لها أعضاء أكثر
مما يتخيل الشعراء..
أنا الآن خافت. أتكور
ككومة قش في انتظار المزيد
من الاشتعال المريح..
من الخشب المشتعل في
خيمة الليل
أراقب البحر كصخرة تحط
عليها الطيور المهاجرة
ولا تهتدي عليها سفن
اللاجئين
أتلصص كدودة حقيرة على
أسماك ترقص لا سماء
فوقها ولا قاع يحتويها.
لا علامات مفهومة عن
الموت والجنائز التي تنمو في الحنجرة
الحنجرة المثقلة بالدم
والندم والملح الجاف والشعر المهلهل
الحنجرة التي عجنتها
رمال الصحراء
صارت مرافئ غير آمنة
لأحاجي الدموع
صارت مطاردة من الكلاب
الضالة والحسك والشوك
أبحث فيها عن جثتي
بينما تتوافد الذكريات في رأسي
المعلقة على رمح مسنون
بلا صرخة أو شهقة مباركة من السماء..
وأنا جالس على كرسي
بدائي "لصانع الجريد"*
اتسلق ظمأ الماء في
كأس أحلام "السيد ع"*
أقول للجبل المجروح آن
الأوان أن تكف عن السهر
وكتابة رسائل لا تصل
لترقوة الصبار
فلا طابع بريد يجمعنا
ولا توقيع بعلم الوصول..،
💚
تذكر..،
"شخللة" الوسادة وأنت تربح "عشرة كوتشينة"
" الكوتشينة فيها
كام ولد يا نصاب"
لا يناسبني هذا النباح
الشديد في أصابعي
أصابعي التي تكتب عن
الوطن والحياة
والبنت التي تتوضأ
كعصفور من نار هادئة في رئتي
البنت التي أود أن أقول
لها أنا الآن أبكي
أبكي كبحر لا يجيد
السباحة
يرجمه الصخب بصخور
الأسى
وهو صابر كجبل يتفتت
قطرة.. قطرة
بين ثنيات الدم البارز
من ثرثرة التعب وضوضاء الروح،
كجبل متخثر لا يُسمح له بالراحة أو بتنظيف حلقه المر
من عفار الرمال،
كالعمر الذي يضيع في
حساب الخطأ
وهو القائم من زبد يشهق
بالغرقى،
ها أنت تضحك كالعادة..
أظن انك الآن لا تحتاج
لقراءة " بيدرو بارامو"
ارح زئير الرئة ولا
تبحث في صندوقك الخشبي
عن روح "خوان رولفو"
الموتى هناك أكثر نضجا
لا ينشغل بالهم بهذا
العالم الوسخ
أقول لك الشيء بالعكس
نحن هنا في "كومالا"
"كومالا" الماجنة والكسولة.
المغرمة بالموت
والأشباح.
المتحكمة في قانون
البقاء والثورة
وعليك أنت لا هو أن
تكمل له القصة
كزائر خفيف الروح
كحمامة بيضاء فرت من
كتلة الطين
تتوكأ مجد الله في
الأعالي.،
💚
نسيت أن أخبرك بأني هش
جدا بالمناسبة
وأبكي كطفل صغير
لا يجيد الطواف حول
توابيت الموتى..
تذكر حين قلت لك"
هل تسمع نباح الكلب"
لم أقصد القصة يا
"عماد"
بل ذلك الرجل العجوز
الذي قتل قبيلة من النخيل
كانت تقرأ كف السماء في
عيون الوطن
وخرج في نشرة التاسعة
يضحك ويلوح لرجال الأمن
ببشارة الدم لمن قال لا
للفئران الضالة.،
💚
كنا نلمع أحذية الفراغ
المقيم في مصارين التاريخ..
ونقتسم الطريق وسيجارة
الليل ببطون خاوية،
بالمناسبة كيف حال
نظارتك الطبية؟
لعل السؤال غريب بعض
الشيء!
على العموم كل ما أود
أن أقوله لك أنني فرغت أخيرا
من قراءة "صبح
العشى" للشيخ "القلقشندي"
وأشعر بأن عيني تربي
غيمة داكنة فاقع لونها
ويدي حزينة لأنها لا
تكتب
إنها مصابة بوسواس مالح
ومضطرب
أن تصبح ساق ماعز جبلي
أسود
أصبحت لا تدر حليبا
للقصائد
ولا تشعل معركة في رماد
الجبل
لكن ما علينا الآن من
ذلك
أظن أنك تبدو جميلا..
ها
ها أنت تضحك أيضا وتطل
بمكر شديد
لقد أخرجت لسانك للحياة
دون أن تخبرني كيف
فعلتها
بكل هذه السهولة
والبساطة،
من أين أتيت بكل هذه
الجرأة الجارحة؟
تذكر،،
الحقيقة ليست هنا يا
صديقي
ليست كما تظن وتؤمن
ليست أيقونة تمزح في
كتاب فلسفة تاريخ
الإنسان الأول،
ربما أنت لا تدري الآن.
بأني أسابق خطوتي
الكسولة بكامل البلاغة
أتعهد أمامك بوضع نهاية
مناسبة لرواية " خبز ودمى"*
نهاية مثالية كنهاية
الأفلام الخيالية
عفوا لا يمكنني ذلك،
احتمال أن ينزعج
"عطية عروج"*
أو يتسبب ذلك في ارتباك
للحجة "تقية"*
تعلم أنني أرغب في
زيارة القدس والمشي في طريق الآلام
والسباحة في نهر الأردن
ذئاب جائعة تحوم حول
البيت هناك يا صديقي،
تبحث عن عظامي اليابسة
خلف الجدران المملة
فقط أحتاج لدعوة منك
دعوة لا تحتاج لدليل
لتنقية الطريق من ثرثرة الحُمى وقداسة الحوائط الطينية التي حفرنا عليها بأظافرنا
المتعبة ضفائر البنات..،
💚
أيها الصديق الذي كنت
أحكي له
عن روحي الخائبة
والخصام العائلي،
عن صوتي المربوط في دكة
ترفل
في موتي المنمق تأكل
منه الطيور ولا تشبع،
عن العناق والمواعيد
المؤجلة،
عن خبزنا اليومي من الخسارات،
عن الجلوس في الزوايا
الضيقة والأقبية الداكنة
والضوء المكتوم في
نافذة الشيخوخة،
عن العابرين لمطحنة
الصمت ينبشون جثث النهار بفطنة اللذة،
حين كنا آخر الساهرين
حول الكؤوس والمقاعد
والقصائد التي تسيل على
الشفاه المقفرة،
عن البنت التي سقطت
ابتسامتها
في جحور الجبال،
عن البنت التي تكتب
الغواية وتنحني لها زهور دوار الشمس
فتحتلها كل اسماء
البنات وتدخل دورتي الدموية كمعصية..
اطمئن يا صديقي أنا
بسيط وسلس..
أعرف مقبرتي كبصمة
الثلج
أحملها في سروالي
القصير
تحت خصلة القصيدة تبيت
كشجرة على نبع المياه..
لامعة كأكرة الباب التي
تأوي إليه يدي فارغة
كنجمة تنز بالسنابل في
حنان وهدوء..
مقبرتي على بعد فكرة من
السقف..
كعقدة في رقبتي من ليف
النخيل
تحرس النهر من الوحدة
وخيانة التأويل..
تلفلف ما تبقى من خيال
القصائد
على ورك الجبل الشرقي
في جبابيين "أخميم"
فقط كرر دعوتك لي بأمانة
ربما دلتني أمي على
الباب..،
💚
ربما تمنينا أن نصنع
ضوءً جديدا نلجم به بُخل العالم لخمس دقائق فقط
ونطير بعدها كقارب يجيد
الحديث عن نفسه
وعن الغرقى بكل تباه
وغرور.
لم أخبرك أن لطين
الوداع لكنته الخاصة..
ها أنت تضحك كالعادة
رغم انطلاق روحك فوق
غيمة طيبة..
أصدقائي يقولون: قسمة
ونصيب..
وهم يكذبون..
والشيخ يحدثني عن
القدر..
وأنت تقول "أضحك
يا ابن الكئيبة"
الأمور على ما يرام.،،
_____________________________________
* اسماء نصوص وشخصيات روائية للصديق الراحل،،
_____________________________________
محب خيري الجمَّال