مي عطاف
نسبيّة
لا بدّ أني صرت ماض
الآن ..وأعتقد أني قد أُلعن أو يُقال كان رحيله مؤلماً .
الثواني الثلاثة الاولى
التي مال جسدي عن سطح
البناية ذات الثلاثين طابقاً ..التفتَ رأسي للوراء ..لقد فعلتُها وشعرتُ لحظتها أن
الأمر انتهى ولا رجعة عنه وقلبي الذي كان يدق لحظات وقوفي على حرف السطح بسرعة ،
لم أعد أشعر به ..بل همّني الإجابة عن سؤالي : لم فعلتُها ؟
وملت بكامل جسدي عسى أتمسك بشيء ما... أدرك أنه غير موجود
و لكني شعرت أن الله لا بدّ أن يضع شيئاً لإنقاذي ..لا شيء لقد خذلني .
الثواني 4_ 5 _6
شغلني الطيران يالها من
متعة ...جسدي يرفرف كطير في الهواء ..وعاتبت الله : ما حكمتك بولادتنا دون أجنحة ؟
أي شعور قد يضاهي هذا
التحليق وأنت ترخي جسدك على طراوة الهواء
وترى العالم - كل العالم - صغيراً ..صغيراً كالحياة .
ثم تذكرت أنه خلق لنا الخيال تعويضاً عن الجناح
..أي كذبة تلك .
الثواني 7_ 8_9 وبعض من الثانية العاشرة
لفت انتباهي حجم الوسخ
والكركبة على سطح السوبر ماركت التي واجهتُها مثالية في الأناقة والنظافة ...أليس
هناك من ينظفها؟
وحضرتْ صورة صاحب السوبر ماركت وزوجته اللذين
يلهيا الزبون وهما يتحدثان عن نظافتهما وعن قذارة الأخرين ...فقط لو أعود لأصرخ أنهما كاذبان ووسخان .
بعض من الثانية العاشرة
و 11_ 12
ضحكت بصوت عالي حين
فكرت كيف أننا شئنا أم أبينا نمضي وقتاً تافهاً وقلت بسخرية : الآن وقت الوسخ وأنا أنزل كباشق للصيد !؟
كنت الصياد والفريسة
والموت بآن ..وابتسمت لفلسفتي هذه .
الثواني 13_ 14_ 15_16
رأيت أوراقاً تنسل وتقع أرضاً من يد رجل محني الظهر ..رزمة أوراق
تتناثر على الرصيف ، تذكرتُ أوراقي التي كتبت عليها القصص الكثيرة واودعتها في
صندوق الصوفا التي كنت أرخي مؤخرتي عليها ، لا بل مؤخرات اهلي والجيران والأصدقاء
..وفكرت أنها تصح كقصة تروي وجهة نظر الأوراق والقصص بالمؤخرات التي تجلس فوقها
وربما تطلق عليها الريح أيضاً .
ثم ضربت كفا بكف وقلت :
يا ضيعاني وضيعان هالقصص .
الثواني 17_ 18 _ 19
لمحت ولداً يخرج
من السوبر ماركت وهو يَعدّ ما تبقى معه من مال ويتراجع في خطاه ..يبدو أنّ
خطأً ما قد حصل معه ، وضربت جبهتي حين تذكرت أني لم أخبر أمي بالمكان الذي خبأتُ
به النقود التي وفرتْها خفية عن والدي
وطلبتْ مني وضعها بمكان آمن ..لو أعود الآن فربما وجده أبي السكير وسيصرفه سكراً
وضرباً لأمي ...يا الله ليتني أعود ...ما أغلأها دموع أمي.
وطار الهم والحزن معي .
الثواني 20_ 21
شعرت بالندم ..يا دموع
أمي .
من سيمنع كف والدي
عنها ....لمن ستقص أمي أسرارها و عذابها
الآن ؟
الثواني 22 _ 23 _ 24 _ 25
سحبتني الأسرار من دموع
أمي ..هناك أسرار تخصني ..أسرار تخص غيري
ستموت معي .
لن يعلم أحد أني حين
كنت في العاشرة من عمري نام بقربي خالي الذي يزيدني بست سنوات وتحرش بي ..خجلت من
مقاومته لأن أمي تحب أخاها وكانت تقول لي : يا حبيبي شو بتشبه خالك .
لكن أمي لا تعلم أن
أخاها كان سببا في الدم النازف من مؤخرتي والدم الذي اتسخ في عروقي وكنت ألتهم
نفسي خجلاً أمام خالي الذي كلما رآني غمز لي .
الثواني 26 _ 27 _ 28
شعرت بالتعب من وضعية
سقوطي مع رأسي المنحدر للأسفل ..وقمت بحركة في الهواء أشبه برقصة الدراويش .
بابتسامة تكاد تنتهي
فكرت بما فاتني : لمَ لمْ أتعلم الرقص ..لم أجربه يوما ..ولو جربته هل كنت الآن
على وشك ارتطامي المميت بالأرض .
ليت للسماء جاذبية
كالأرض فننال نعمة الهائم في الفراغ ..إني أقترب وأكاد أتناثر فأغمضت عينيّ كأنّ
الوجع أقل حين لا نرى .
الثواني 29 _ 30
خبط جسدي كقنبلة على
الأرض ..وارتفع قليلاً ليهمد بجانب السرير
.
مي عطاف