محمد صالح
***
. فاطمة
كان شاعرْ ..
يرسم البحر على أوراقه البيض ،
ويطويها بواخرْ !
عَبَرتْهُ الطلقةُ الأولى..
فما انْفَكَّ يُوالى شَيخَهُ ،
واشترى تِبْناً ، وعبّا جِلدَهُ ؛
يجلس فى المقهى ،
ويُصغى لجميل الشِّعر !
كان - يافاحمة الشَّعر - دَمٌ ..
يطلبُ وإليهِ ؛
وقد أَدْبَرَ ،
واستعبر من موعظة الشيخِ ..
بأنَّ الأمرَ لله ،
وليست تَزِنُ الدنيا سوى خردلةٍ ..
من غِبْطة الروح ،
وقدْ قدَّر قادر .
عبرته طلقةٌ أخرى :
جثا فى حِجْرِ ملاهُ ؛
أتى فى ذِلَّة العَبْدِ ،
بكى من فَرَقِ الوَجْدِ ..
عسى يغفر غافر !
كان - يافاطمةُ - ارتاح إلى زَوْجٍ
،
وأطفالٍ ؛
ولا يَحْتَملُ الأمْرُ !
فوالى بَطْنَهُ ،
واشترى طيناً ، وغَمَّى عَيْنَهُ ؛
يعملُ فى المنفى ،
ويَعْنو لأمير الوقت !
أنتِ يافاطمَةُ الآنَ لهُ زَوْجُ ،
وكُحْلُ العين من شيخ المناسِرْ !
سَنَةٌ تمضى ،
وهذى سَنَةٌ أخرى ؛
ثَلاثٌ
... ... ...
... ... ...
إنَّهُ البحرُ الذى يطوى المسافِرْ !
غربلى - فاطمةُ - الآنَ خلاءَ الرَّبعِ ،
دورى فى مَلَاءِ البيتِ ،
ثم امتَثِلى ؛
حاسرةَ الرأْسِ ،
وغُضِّ للحرائِرْ !
واذكرى الحلم الذى أَغْوى ،
وخَامَرْ .
فَاطِمُ استهدى النُجيْماتِ :
أَيقْتاتُ عِيالٌ بأَبٍ ينزف فى المبغى ،
ولا يورث غير القَهْر !
إنّما البيتُ أَبٌ ؛
يأكلُ من مِلح يدٍ ليست تُتَاجِرْ .
باغَتَتْهُ الطَّلقةُ القاتلة الآنَ ،
وفى القلب دَمٌ ؛
لا تغسلى - يافَاطِمُ - الثَّوبَ ،
بل استهدى الدَّمَ الشَّاعِرَ ،
واسْتَرْضيهِ ؛
يافَاطِِمُ واسترضى سوادَ العَيْنِ :
لا يُهْدِرُ فى المقهى دماً ..
يطلبُ واليهِ ،
وثَاراتِ عِيالٍ خُضْر .
وانفخى فى ناره النَّارَ ،
وذودى عَنْهُ ،
واسْتَغْوى الذى يتركُهُ فينا من الحِقْدِ ..
رَشَاشُ الطَّلْقِ ؛
صُرِّيهِ ،
وضُمِّيه إلى جَبَّانَةِ القلبِ ؛
فَقَدْ ينفعُ ذَاكِرْ .
وأهيلى حَفْنَةً ناعمةً من طينة الأرضِ..
على الجْرحِ ؛
من ذا يبرأُ - يافاطمة - الحرحُ ،
وترتاحُ الضَّمائرْ .
واغْسِلى عن عينكِ الكُحْلَ ،
اصنعى من دَمِهِ خُبزَ أَبٍ ..
يجلس فى المقهى؛
فلا يرسم فى أوراقه البَحْرَ ،
ولا فَاحِمَةَ الشَّعْرِ ،
ولا الطاغوت .
تلك - يافاطمُ - أسْماءُ ،
ولا تُغْى الظَّواهرْ !
واعبرى - فاطمةُ - البَحْرَ ،
اعبرى فوق زجاج الماءِ .
ليست هذه اللُّجّةُ إلا من قواريرَ ،
ومن كَيْدِ الدَّفاتِرْ !
إنّما الشَّاطِرُ من يَسْتألِفُ الخوفَ ،
ومن يبتدرُ الموتَ ،
ولا يعبأ للصِّ المُقَامِرْ .
إنّما "الشَّاطِرُ " يافَاطِمَة الشُّطَّارِ..
من يقتل عَابِرْ .
.
محمد صالح
مصر