حامد حبيب
ظاهرةُ الاغتراب
ليس الاغترابُ إلاً حالةٌ نفسية يشعر
فيها الفرد بعُزلته عن مجتمعه ، بل يصل إلى أن يشعر بفقدان
ذاتِه ، مما يؤدى إلى
عجزه عن التكيُّف مع الأوضاع
السائدة فى هذا المجتمع
، فيصل به إلى
الشعور بعدم الانتماء.
وقد تتفاوت حالةُ
الاغتراب بين إنسان وآخر، بمقدار
الضغوط النفسية التى
يعانيها.
وقد ساعد العصر
الحديث،عصر التقدُّم والتكنولوجيا
على انتشار هذه الظاهرة
بصورة كبيرة، حتى صارت
مشكلة عامة ، أطلق
عليها العلماء : " أزمةُ الإنسان المُعاصِر" ، وأصبح الشُّغل
الشاغل للعلماء والفلاسفة
الآن ، البحث فى إحساس
الإنسان بإنسانيته، بعد أن
فقد هذا الإنسان ُ
هويّتَه ، وفقد إحساسَه بإنسانيته،
وهو ماكان سبباً
لاغترابه.
ومصطلح "الاغتراب" هو
الترجمة العربية للكلمة الانجليزية "Alienation" وكذا
الكلمة الفرنسية :
" Alienation".
_ وهو مايعنى حالة
كون الإنسان مغترباً أو مُفارقاً
لشئٍ أوشخص..أما فى اللغة العربية، فالمعنى اللغوى
والاصطلاحى واحد
، فالغربة والاغتراب
كلاهما بمعنى واحد ة ، وتعنى
الذهاب والتنحّى عن الناس .
ولكن الاغتراب أشمل من
الغربة، لأنه قد يحدث فى
الغربة أيضاً. فالغربة
:هى البُعدٌ الجغرافى عن الوطن
الأصلى ، أما الاغتراب ،
فهو أشمل ، حيث يغترب الانسان
عن ذاته وهو داخل مجتمعه، وقد ينفصل عن مجتمعه وهو
يعيش فيه وينفصل عن الآخرين
وهو بينهم.
_ ومفهوم الاغتراب
يحمل معانى كثيرة
، لتعدُّد تناوله فى
مختلف العلوم النفسية
والدينية والاجتماعية والسياسية والأدبية ، فتعددت أنواعه.
فإذا تحدثنا عن
الاغتراب السياسى مثلاً ، وجدناه يتمثّل فى
الشعور بالعجز عن
ممارسة أى فعل سياسى .
_ والاغتراب النفسى: هو
اغترابٌ عن الذات، إغتراب
شخص فقد اتصاله بنفسه
وبالآخرين، ويعقبها عُزلة
ووحدة وتمرّد ورفض وانسحاب وخضوع ، أى
أنه
شعور الفرد بأن ذاته
ليست واقعية.
_والاغتراب
الاجتماعى:يعنى شعور الإنسان بانفصاله
عن مجتمعه والآخرين
حوله ، إذ لايستطيع التكيّف
مع مجتمعه ، لضياع الحب
والتعاون بين الناس ، فيفتقد للعلاقات الإنسانية والروابط
الاجتماعية ،
وحينها يشعر
بعدم الانتماء ويشعر
بالظلم فى مجتمعه.
_ وهناك الاغتراب
المكانى ، نتيجةً لسفره أو هجرته
لبلد آخر ، فيشعر
بعدم التكيف مع هذا المجتمع الجديد ، فيشعر بالحنين إلى الوطن.
..وهناك الاغتراب
الدينى والاقتصادى .....
_ هذا
الاغتراب ، أفرط
الأدباء والشعراء وفى تصويره
فى مؤلفاتهم القصصية
والمسرحية والشعرية. إذ
لايخلو ديوان شعرى لأىٍ من شعراء
العصر الحديث، من
التعبير عن الوحدة أو الاغتراب
باعتباره أزمة الإنسان
المعاصر..وقد استخدموا فى
ذلك كافة الألفاظ
التى لها إيحاءات ودلالات
تعبّر
عن الوحدة والصمت
واليأس والإحباط والخوف،
كوسيطٍ لنقل مشاعرهم
وأحاسيسهم ، إلى جانب
مااستخدموه من
صُورٍ وتراكيبَ تُجسّد
مرارة الاغتراب.
_ يعيش
الإنسان العربى تلك
الحالة المريرة، ويعيشها بصورةٍ
أسوأ ، أولئك
الأدباء والشعراء
حيث أنهم إلى جانب
مايحملونه من مرارة، يحملون
إلى جانبها مرارة الأمة
أجمع ، بإحساسهم الوفير بما
يعتمل فى وجدان
شعوبهم ، فهى مرارة
مضاعَفة
كُتِبت عليهم ، بما
يتحملونه من مسئولية ورسالة
كانت منوطة بهم على مر
السنين.
___________________
حامد حبيب _ مصر