المبدع هيثم الأمين
🌹🌹
رثاء شاعر لم يمت بعد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يرحل الشّاعر؛
يذهب إلى حتفه
كما تذهب الكلاب الضّالة،
بعد ليلة أخرى من الجوع و العواء،
إلى
النّوم...
كنتَ وحيدا جدّا، يا صديقي، في جنازتك،
كنتَ تُسرعُ بك
و كأنّك كلّ خطيئتك و تشير إليك.. و تضحك
و كنتَ كثيرا جدّا
و أنت تقدّم لك التّعازي
و توزّع قصائدك التي لم تكتبها
على الغرباء
بينما أحذيتك القديمة
تركض على الأرصفة... و تضحك !!
كان من الممكن أنّ أحبّك أكثر قليلا
إن نحن بترنا أصابعنا بنفس اللّغة
لنكتب قصيدة ما
ثمّ نضحك من عرينا فيها...
كم سيجارة حشيش شربت أيّها الشّاعر
لتتعرّى من كلّ أرواحك القديمة التي كانت تنام
على الرّصيف
و أنت تصعد إلى اللّه بكلّ هذه المسامير في
قدميك؟ !!
أأعجبك النّبيذ الذي قدّمه لك اللّه؟ !
أكان لذيذا كنهدَيْ حبيبتك
و بنكهة فخذيها العاريين و هما يرتجفان من صلاتك
تحت سرّتها؟ !!
زعمت لي، ذات بكاء، أنّ أمّك كانت سحاقيّة
و أنّ والدك بلا سلالة
و أنّك لا تتذّكر متى صرت فأسا
و لا تتذكّر أنّك كنت شجرة أو طريقا أو غير ذلك
!
كأنت
تنحني، الآن، لتلتقط أسماءك التي لا تعرفها؛
تنفض عنها اسمك الذي تعرفه
و تبتسم لأنّه صار لك عنوان قد تصلك،
عليه،
رسائل من موتى يخطّطون للتّعارف عليك...
ربّما ستصلك، إليه، رسالة ستخبرك
أنّ أمّك ما كانت سحاقيّة
و لكنّها كانت تسحق بظرها على وجوه المارّة
لتنجبك بطريقة أخرى
و أنّ والدك،
يوم سقوطك،
كان يجوب السّماء على درّاجة هوائيّة
و يوزّع أشرطة "جيل جلالة"، "ناس
الغيوان" و "أصحاب الكلمة"
على الملائكة ليعلّمهم كيف يكونون من سلالة
"لا" !!
يا صديقي.. بارد جدّا جسدك؛
جسدك الذي كان يساريّ الحظ
و لا أغطية، كما في الأرض، في السّماء
و أنت المُدَرَّبُ على بتر رأسك،
أصابعك، قدميك، طفولتك، ذاكرتك
و قلبك
كيف ستكتب الشّعر، الآن، ككلّ الأوغاد الذين
كنّا نشتمهم معا؟ !
كيف ستعرّي فمك لكلمة سافرة
لتبصق المعنى الذي لا يحبّه الشّعراء المسرفون
في المثاليّة و في طعنك؟ !!
و كيف...
لا عليك.
هل كتبت وصيّتك؟ !!
لمن أوصيت بوجه حبيبتك في البكاء
و المسامير الصّغيرة التي كانت تنوي أن تكبر في
قدميك
لمن أوصيت بها؟ !!
أنا أعتذر، يا صديقي !
لقد نسيت أنّك لا تجيد الكتابة
و أنّك كنت مشغولا جدّا بالسّخرية منك
حين طرق الموت بابك
و حتما
لم يكن لديك الوقت لتملي وصيّتك على طريق يأخذ
إلى حانة شريفة !
أعلم أنّك ما كنت تجيد إلّا كتابة القصائدِ
ثمّ تتساقط في أميّتك
و تضحك...
فهل كان الموت لذيذا لتهرب إليه؟ !!
لا عليك... لا تجب. لن أُحرجكَ
و لكنّنا، حتما، سننبح كثيرا جدّا، هذا المساء
ككلبين يكتبان القصائد
و يضحكان...