بني الكون على رقم مكسور
زكريا محمد
***
بني الكون على رقم
مكسور. كنتُ هناك يوم ابتدع. كانت الريح تصفّر مثل طائر أعمى، والأرقام ملقاة في
جرن حجري. أخذ أحدهم رقما وكسره. ابتلع كسرة وترك كسرة. من الكسرة التي لم تؤكل
بني الكون. وأنا كنت هناك. أشجار السرخس كانت تنمو قرب الماء، أما النجوم فكانت قد
بدأت تنبض للتو في السماء.
شهدت بدء الكون، وسأشهد
نهايته. فأنا مقياس الزمن. أنا الكلمة الأولى والكلمة الأخيرة. موتي هو موت
العالم، وحياتي هي حياته.
حين جئت كان نصف رقم في
يدي، وحين أغادر سآخذه معي. أعرف أن هذا محزن. محزن أن تكون مثل الله بلا أب ولا
أم ولا ولد. لكن هذا هو الأمر. هكذا تسير الأمور.
أشعلت النار وخبزت
خبزتي. فمن الصعب ان يكون المرء إلها إن لم يدفن في الرماد الحار خبزته.
سأكون آخر من يرى شجرة
مشمش في الكون. سأكون آخر من يبصر أعين العنكبوت الثماني. الأرقام حزن لا مثيل له.
ولدت بين السرخس. تحت
النجمة التي توقف نبضها. والأشد ألما أنه لا بد من أحد كي تكتب مقطوعتك له. لا بد
من وجود أم في قبرها كي يغني حسّون الشوك.
المعنى لا معنى له.
الكلمات ملقاة في الجرن، وأنا آخذها وأقطّعها شرائح وآكلها.
كان عند امرئ القيس
خليلان. وكان يستجديهما: "خليليّ مرا بي على أم جندبٍ". آه يا أم جندب،
ليس الكون سوى حصان برجل مكسورة.
.
زكريا محمد
فلسطين