عبدالنور الهنداوي
حوار مع حائط ثلاثي الأبعاد
_لوحدك قامرت بما ليس
لك به علم ؟
. لوحدي
_ لوحدك صرت مثل قارعي
الطبول ؟
.لوحدي
_ لوحدك قطعت النار
بالنار // والغابات بالغابات ؟
.لوحدي
_ لوحدك قطفت الهدايا
المدجّجة بالطيور والدم ؟
. لوحدي
_ لوحدك شاهدت اللعنة
التي تلاحقك باستمرار
. لوحدي
_ لوحدك اكتشفت النكهة
الأخرى للحرية
. لوحدي
_ هل انت الذي ذهبت
بالغيبوبة لتبني بعينيك منزلاً
فاخراً على سطح القمر
. نعم
_ هل انت الذي ذهبت
بجثتك إلى العالم الآخر لتدخل
وحدك في المناطق المحرّمة
. نعم
_ هل انت الذي تحكمّت
بكل ما تملك من فخّار لتهزّ به
ماتبقّى لديك من
الجاهلية
. نعم
_ لوحدك اقترفت الفضيحة
لتظهر حافياً عارياً مثلما
خلقك الله
. نعم لوحدي
_ لوحدك منعت الآخرين
من الموت لتختال وحدك في
في الضوء
. نعم لوحدي
_ انت تعرف انك تحمل في
داخلك صراخاً عظيماً
يشبه صراخ الرماد
. أعرف
_ هل تعرف انك اغلقت
الأبواب كي لا تتسلّل
الجراثيم التي تحمل
التاريخ على ظهرها
. أعرف
_ انت تعرف انّ كل كائن
حي في العالم فيه شيء
من امريكا
. اعرف
_ كيف استطعت أن تضع
يدك كلّها فوق وجه الارض؟
. لا أدري
_ كيف اقتنعت أن
التوراة ضرورية جداً لإبقاء اليهوديّ
يهودياً ؟
. لا أدري
_ كيف اقتنعت أن الزمن
ليس أكثر من مستودع
للفوضى والدم والهواء؟
. لا أدري
_ رأيت جبلاً من المطاط
أمام نهاية من الذهب
. هذا لا يعني أن
الملائكة تمتلك اقداماً فذّة من الطين
_ يجب أن نعطي صلاحيات
أكثر لأرواحنا
. نعم يجب أن نعطي
صلاحيات أكثر لأرواحنا
_ أحيانا نستخدم
عِظامنا كي نقتل اللامبالاة في داخلنا
. يا سلام //ومع ذلك
يرغموننا أن نكون حجارة في
العصر الحجري
_ رأيتك مرة تكتب عن
جثث ابتلعْتَها نكاية بالضوء
وملابسك الداخلية
. صحيح
_ رأيتك وانت تخوّض في
مكان لا يتسع لخطيئة
واحدة
. صحيح
_ رأيتك وانت تلقي
القبض على الأزهار// وتخطب
في آلهة محمولة على
الأكتاف
. صحيح
_ تذكر حين كنت معي في
الحلم// وتحدثتَ عن
عثورك على شاعر ارتطم
فمه بالذباب
. أذكر
_ تذكر حين حدثتني عن
قادة من العرب يسيرون
على البخار
. اذكر
_ تذكر حين مشيت على خط
الإستواء وبيدك
راية البشارة
. أذكر
_ هل تتذكّر من اين
أتيت
. لا أتذكرّ
_ هل تعرف ماذا يعني
الطرف الآخر
. لا اعرف
_ هل رأيت شاعراً في
وجهه شجرة وفي كفيّه رصيف
. أبداً
_ هل تعرّفتَ على شاعر
استعمل الأمل بطريقة غير
شرعية /// ويعيش في
غابة من الذباب والأنين
. نعم
_ كنت أظن أن الإنتصار
يدخل إلى رئاتنا دون استئذان
من احد
. هذا لا يعنيني أبدأ
_ ربما لا يعني احداً ؟
. ربما
_ كنت أظن أن الجثث
تُدفن في الهواء قبل أن تًدفن
في التراب
. ربما
_كنت أظن أن الجراح
ستظل " هي " الجراح والدم
البشري سيظل الدم
البشري
. ربما
_ كنت أظن أن دخولنا في
الحياة / يعني دخولنا
في العذاب
. هذا صحيح
_ كنت أظن أن القصائد
الرائعة يتدلّى منها الدم الكثير
والرماد الكثير واللعاب
الكثير
. هذا صحيح وأيضاً
وحدها تذرف الدموع على الماّرة
_ يعني " أن
" هذه القصائد هي الممرّ الوحيد لموتنا
. ربما
_ ماذا تعني بقصائد/
نَمَت/وصَرَخت/ وترعرعَت/
وتحوّلَت إلى مقصلة
. لا شيء
_ ثمة أصابع تشبه
المناجل في هذا الزمن الذي يصنّع
القتلة
. ماذا تعني ؟
_ الحاكم العربيّ
يستخدم الكثير من الكلام// ليتخلّص
من الكثير من الواقع
. هذا شأنه
_ الامم القوية تتبع
عادة أزهارها// بينما الأمم الضعيفة
تذهب حيثما يشاء الله
. هذا شأنه ايضاً
_ يقولون بلاد العرب //
إنها اوديّسا الظلام
. هم يقولون
_ السلطة لا تعني وضع
اليد على الآخر ، إنما إعطاء
اليد للآخر
. ربما
_ كيف يكون الزمن
مثقّفاً// أو أن تكون في حضرة
الموت كما لو أنك في
حضرة الحياة
. لا داعي ابداً لنبش
القبور/// بحثاً عن لغة تشبه
الزغاريد
_ إذن // من الأفضل لنا
أن لا ندقّق على الأسئلة
البيضاء . لأن الزمن
الذي يركض في مكان ما
يتوقف في مكان آخر
. هذا صحيح ( ونص )
_ ماذا تفعل إذا صارت
مهنتك " تطريز " الخلاص
. ارسم ثلجاً تنبعث منه
رائحة الأحذية
_ ماذا لوجعلك الخيال
مثل لعبة بين الأصابع وكتبتَ
شعراً جميلاً ، يجعل
الزمن حطاماً من أجل إعادة
" الله " إلى
مكانه الطبيعيّ
. اصير شاعراً بأمر من
الله ولن أخرج إلاّ بأمر من الله
_ ماذا لو زارتك الغيوم
وهي مرصّعة بالذهب
. اتحوّل إلى زهرة من
الدم
_ لماذا أولئك يغتالون
ثقافة القلب // وبعد فترة
يستبدلونها بثقافة
العدم
. يبدو " لأنهم
" حوّلوا الورد إلى أقنعة
_ قال أحدهم: إن الكرة
الأرضية مرهقة جداً/ وضائعة
جداً/ وإن تشويش الروح
، أهم بكثير من تشويش
الجسد
. هذا صحيح
_ قال أحدهم: إن
الشعراء يعذّبون عيونهم احتجاجاً
على لون القمر / لماذا
. لأن القمر اخذ شكل
العيون المعذّبة !!
_ هل الهواء //// يقتل
الهواء
. نعم الهواء // يقتل
الهواء
_ هل السلاح الذي
تعرّفنا عليه " سويةً " يشبه القتيل ؟
. نعم // ليثأر من ذهب
تركني وحدي أعانق المخمل
_ كيف عثرتَ على طبيعة
ملوّثة بالنعاس " وبآلات "
الإيقاع
. كنت مسترسلاً في وصف
الوداع، ووصف الزجاج
الذي كان قريباً من
الضوء
_ كيف كتبتَ عن الأزمنة
الفارغة والأمكنة الفارغة
وعن ذرف الدموع أمام
المعذّبين
. كنت مسترسلاً وحدي //
للعبور في تراب الغرباء
_ كيف تكون القصيدة
امرأة وعاصفة بنفس الوقت
. لا أدري //
أدري فقط أن الكثير من
النفايات يساوي القليل
من النفايات
_ سأهدم كل شيء امامي
حجراً حجراً / لأنني أحب
قهقهات الموتى، وأحب
النار التي تريد أكل موتنا
. هذا شأنكَ
_ للذكرى فقط // "
في الحديث معك" أنني أشبه
الأسطورة واشبه الضحايا
، واشبه الغريم الذي تعرّف
على غريمه
. وانا كذلك
_ ملأت كأسي بالدموع
لأحافظ على الرماد
. وأنا كذلك
_ حاولت القبض على ما
تبقّى من الأشجار، لأن لغتي
عارية وآهاتي عارية
. وانا كذلك
_ سأعطي الحياة كلّ الحياة
. انا لا استطيع
_ أعتقد أنّ أوجاع الله
تشبه أوطاننا
. وانا اعتقد أنّ أوجاع
الله تشبه أوجاعنا
_ لعلمكَ .. بقدرة قادر
تحولتَ إلى شاعر من خزف
ورفضتَ كل ما له علاقة
بأكلة القلوب
. اعرف ذلك جيداً
_ انت قلت في يوم ما :
التراب هو المكان الذي يبدأ
فيه العالم // وينتهي
فيه العالم . وجعلنا مجرّد
ثرثرة على حائط الدنيا
والآخرة .
. نعم قلت ذلك منذ زمن
بعيد
_ قلت قبل قليل إننا
مُنعنا من إنتاج الخيال ///
لأننا بحاجة إلى من
يرشدنا إلى الطريق الصواب
. نعم قلت : وإننا
أيضاً شعوب فذّة بابتداع النكبات
وجاهزون لاستقبال كل
أنواع الرياح
_ أمامي اغتسَلت
الأرواح من الصدأ الذي تكدّس فوقنا
عبر الأزمنة
. لا جواب عندي
_ إننا أكثر شعوب الأرض
.. تستخدم افواهها حيناً
في الكلام // وحيناً في
الطعام /// وحيناً بابتلاع
الطعام والكلام على
السواء
. معقول ؟!
_ لقد بعثنا الله إلى
هذه الدنيا خير أمة أخرجت للناس
. لماذا نذهب إذاً
محطّمين إلى الآخرة ؟
_ لقد أرغمت الهواء أن
يخلع ملابسه حفاظاً
على غموضنا
. لا أصدّق
_ وأُ مِرَ الشعب أن
يخبّئ اليهود في الأجفان
. سمعت
_ اليهود يغسلون ايديهم
" بالشمبانيا " احتفاء بإبادتنا
. يمكن /// صحيح
_ الذين مع الله .. هم
ضدّ الله
. ايضاً يمكن صحيح
_ اكتب كي اعرّف قلبي
على طريق الأزهار//وإن القلب
هو أول الطريق إلى الله
. من أجل هذا الذي قلته
؟ صرت اشبه النسيم العليل
_ لماذا إذن وضعتَ
الفأس في خاصرة اللغة
. " لكي " لا
أُلحق الأذى بأجسادنا
_ هل الأرض التي تعرفها
هي نفس الأرض التي لا
تعرفها
. نعم نفس الأرض
_ هل كنت تستعمل
التعاويذ // حين أردت أن تتحطّم
. نعم كنت
_ هل كنت ترى ما وراء
الحائط حين كنت بارعاً في
تسويق الفضائح
. نعم // هذا حين كنت
بارعاً
_ هل نظرت إلى وجهك
وانت بباب الجحيم ..
وإنّك استذكرت التفاصيل
التي من دون أشياء
. نعم // تذكرت
واستذكرت
_ رأيتكَ صدفة وانت
تخوّض بالقمم المعذّبة وإنك
تحولّت إلى حائط وهراوة
. نعم صحيح
_ وانا أقرأ ما تكتب //
كنت أعدّ النوافذ واحدة
واحدة // ولم يكن تحت
ضوء القمر سواي
. وانا لم يكن تحت ضوء
القمر سواي
_ دائما اقول : انا
أكبر من الخطيئة واكبر من الوجود
والعدم
. انا كذلك
_ بعد كل هذا الكلام///
سأطلب من الموت ما اشاء
ومن الأصابع البقاء فوق
الأرصفة وسأرفرف جيداً
لأظل رجل الأجواء
. انت حرّ
_ إذن/// لا مكان
لموتنا سوى ثيابنا
. لا مكان لموتنا
سوى
ثيابنا
***
عبدالنور الهنداوي
سوريا