الإنشاصية جميلة الجميلات نظرة - ربما - على مغايرة فى رائعة الأديبة القديرة متعددة المواهب / تغريد بو مرعى " صومعة انفرادية "
الإنشاصية جميلة الجميلات .
نظرة - ربما - على مغايرة فى رائعة الأديبة القديرة متعددة المواهب / تغريد بو مرعى " صومعة انفرادية " .
بقلم :
ابن المحروسة
محمد أبو اليزيد صالح
تغريد بو مرعى :
أكابوسية " كافكا " أم كابوسية الإشراق ؟؟
( 1
)
هل
الكل فى الكابوسية سواء ؟؟
نزعم أن كل أشكال الأدب الحقيقى الإيجابى وصنوف الإبداع
الأخرى المعتبرة لعلى كابوسية مذ كان الهم العام دافعها ، أو الهم الشخصى الذى يصب
فى مجرى الهم العام فى الأخير ؛ فهكذا هى هموم المبدعين . إن الهمين ؛ العام
والشخصى غالبا ما يبلغ بهما الأمر عند المبدع إلى أن يصبحا فى حكم الكابوس المؤرق
بل المزلزل . كابوس تسببه الظروف غير المواتية التى يجابهها المبدع كل يوم ، بل كل
ساعة لأحوال ليست على أى حظ من سواء . إن
الجهل وتداعياته هما الباعث والدافع لكلا الهمين المسببين لهذا الكابوس . ونزعم
أيضا إنه لولا تلك الحالة من الكابوسية ، لما وجد أدب حقيقى ينفذ إلى روح المتلقى
؛ فكأنما هى الكابوسية اللذيذة على فداحتها لأصحابها من المبدعين !!! إنها الكابوسية الحية المنتجة !!! ؛ والتى
يمكن أن نعرفها بارتياح على أنها المعاناة الحادة المزمنة التى تميل بصاحبها إلى
الكوابيس الحقيقية فى المنامات أو ما يشبه فانتازيا الكوابيس فى اليقظة والتى مع
هذا يظل لها إشراقها لأن المبدع برغم عذاباته المضنية يغلب الخيار الإنسانى على ما
عداه فى الأخير فلا جروح أو ندوب غائرة أو استسلام يقوض شخصية المبدع ، وتبقى تلك
الشخصية على سواء لسماتها المقاومة وتركيبتها الفريدة ؛التربوية والفكرية الممتزجة
بالتأمل واستيعاب دروس الحياة . بل قد تدخل الشخصية ( شخصية المبدع ) فى حالة من
صوفية حقيقية عجيبةتترقى بها أكثر فى مدارج الإنسانية الرحيبة !!!
نعم من حق المبدع أن يئن ويتشكى ولكن المراقب الجيد يرى
أن نفس المبدع الحقيقى توجه قسطا قد يكون على قلة
من هذه الأنات وذلك التشكى لتطييب خاطر المبدع عينه والتخفيف عنه كعلاج
ذاتى بينما القسط الأكبر يوجه للتوجع من أوضاع سلبية ؛ تربوية وفكرية وسياسية
واجتماعية ونفسية ... إلخ يعمل المبدع على مقاومتها ؛ أى أن عزيمته تستمد وقودها
من آهاته وأناته وهمومه وتوجعاته . وبناء على ما سلف فالكابوسية هنا إيجابية .
إن الكابوسية
المتقدمة ليست ككابوسية " كافكا " الكاتب التشيكى الأشهر التى استخدمها
فى أدبه ليعبر عن دواخل نفسه المهترئة . كابوسية مدلهمة هادمة ليس فيها من بارقة
لأمل ، ولا من اشعاع لتنوير . كابوسية تشير إلى سوداوية و عدمية ذلك الكاتب الذى
أوصى صديقه قبيل موته بحرق كل أعماله ولولا أن صديقه لم ينفذ وصيته ، لما وصلنا
نمط أدبه ذاك ولأصبح فى غياهب النسيان . وأظننا لسنا ببعيدين على نحو ما عن
تشاؤمية أبى العلاء فى أدبنا العربى وكذا عن تشاؤمية ابن الرومى التى استرعت
انتباه أستاذنا العقاد فأفرد لها كتابا من كتبه .
ولنستطرد قليلا ونقول إن سيرة " كافكا "
الذاتية تعكس كاتبا
" ميلانكولى" أى سوداوى النزعة كرس أدبه
للتنديد فقط بأحوال معينة اعتبرها فادحة الخطورة ، فما فى أدبه من عاطفة تؤجج أو
تفلسف يشغل العقل ، وهو يحمل رسالة سلبية إلى القارئ بعامة ولذوى تقبل الإيحاء
بخاصة . . إنه بحسبنا من نموذج الأدب المنكفئ المنطفئ الذى ربما ضج صاحبه به لأنه
حتى لا يبعث على جبر لخاطره ؛ هذا الكسير أو يبحث عن تسرية لقلبه ذاك الأسيف . أدب
لا إغناء له ولا طائل من ورائه حتى للدارس والناقد سوى الوقوف على نفسية صاحبه
اليائسة وربما بعض أحوال مجتمعه البائسة . أدب تمتنع فيه أى نأمة لبشرى أو اشارة
لبشارة أو شحذ لهمة . . و تكفينا بعض عناوين " كافكا " لنرى على أى حال
كان هذا الكاتب وكم كانت سوداويته : المسخ
/ الدودة الهائلة / مستعمرة العقاب / المحاكمة / القلعة / أبحاث كلب / الجحر .
ولنجمل فى هذا الجزء قائلين إن الكابوسية فى الأدب على
صنفين : الأول وهو الذى تضرب السوداوية بأطنابها فيه فلا جدوى حقيقية منه لكاتب أو
متلق لأنه يصدر أصلا عن نفس محبطة ؛ و أما الثانى فإنه وإن تك به الكابوسية إلا أن
به فيض إشراق لطيب منبعه . ويبقى تساؤل : ترى على أى ضرب يكون أدب / بو مرعى فى
" صومعة انفرادية ؟؟؟
( 2 )
يحاصرنا عنوان الأديبة منذ البداية الباكرة فما من مفر
وقد استولى على عقولنا و أخذ بمجامعنا هاتفا : تأمل وتساءل !!!
فترانا نقدح زناد التفكير لنقف على مرماه فيهبنا بعضا من
مكنونه لعل فيه إفادة .
إن الصوامع فى الأدبيات الدينية لهى خلوات للتعبد
والتنسك والتريض الروحى والتأمل ، وتسمى أيضا فى أدبيات دينية أخرى القلايات .
واللفظة الأخيرة " القلايات " تحمل معنى الإختلاء أيضا لذات الأغراض
آنفة الذكر ؛ أى أنها ( الصوامع والقلايات ) أماكن سكينة وهدوء وسلام ؛ فلم تذكر
الأديبة لفظة " صومعة " فى العنوان
ونحن نعرف الصوامع ؟! ولم لفظة "انفرادية " ونحن نعرف أيضا أن من يرتاد الصوامع غالبا ما
يكون على انفراد ؟! أهو التكرار والاجترار
أم أن هناك جديد ؟!
إن الدهشة مثيرة للتساؤل ، والعنوان مثير لدهشة المتلقى
ومن ثم تساؤله وبذا تضمن الأديبة تحركه نحو النص لاستطلاع أمر الصومعة الانفرادية
هذه .
تعاجلنا الأديبة فى مستهل خريدتها برشقة أولى من الهم
المتمازج بالغم والصور البلاغية المؤثرة :
" دون سبب اقتادنى الليل إلى صومعته الانفرادية ، و أوصد بابها برتاج
الصمت " . سجن وسجان ومسجون وزنزانة
انفرادية وإحكام ومظلومية وبشاعة بلا ذنب
. هكذا ينكشف المستور شيئا بفضل كلمات قلائل ... يا له من تكثيف جمع فأوعى
!!!! إذن هى قضية يلزمنا التجرد حين الاطلاع على حيثياتها وملابساتها والشهود قبل
الإدلاء برأى فيها ، وإن تلمح لنا الأديبة بمظلومية لكى نؤازرها حين تقول : "
دون سبب " . ثم تعرج الأديبة على ذكر ترصد الليل أكثر بها : " على مدار الوقت بدأت أشعر أنه يأذن
لعتمته بالدخول إلى الثقوب التى تتكدس برأسى . وعلى غفلة ، احتشدت فى أذنى
كالدمامل المتراكمة فوق وجه الضمائر والإنسانية . مددت يدى ، عادت إلى بمزيد من
العتمة ، مختلطةبرائحة الخوف والضياع . " إلى أن تقول : " أحاطنى كابوس
شديد " :
إن فيما نقتبس لغاية الآن جملة من المفاتيىح التى إن نقف
عليها فسينداح بها شطر كبير من العتمة التى تلف الأديبة والمشهد . من تلك المفاتيح
رمزية الليل والصومعة . فالليل - بحسبنا - يرمز إلى أوجاع الحياة التى لا مفر منها
ثقيلة الوقع علينا وربما المردية ، والصومعة محكمة الغلق إنما هى العالم الذى نحيا
فيه والذى على رحابته فهى الضيق ضيق الصومعة التى تعرضها الأديبة على أنها ليست
مكانا للهدوء والسلام كما ينبغى أن تكون ؛
بل هى - كما العالم - مرتع لشقائنا و خوفنا وعبوديتنا وضياعنا والفقد . وبهذا
تحيلنا الأديبة إلى قضية الوجود عموما ومستقبل البشرية فى ظل الحياة المادية
واللاروحية التى نحياها ؛ وهى قضية فلسفية شغلت الفكر من قديم ، وتشغله الآن بشدة
.
ومن المفاتيح التى تعييننا على استجلاء النص أيضا تحدث
الأديبة باسناد المفردات إلى " ياء " المتكلم مثل يدى / أحاطنى ... إلخ
، ثم قولها : " كالدمامل المتراكمةفوق وجه الضمائر والإنسانية . " ،
وأيضا قولها وهى تتحدث عما فعله الكابوس بها : " كأنى فى كهف مظلم، لا يربطنى
ببوصلة الروح ."
إن هذا المفتاح من الأهمية بمكان عندنا ؛ فالاسناد إلى
ياء المتكلم يدل على أن الأديبة لاتزال على حياة وشعور ومقاومة ومالكة لإرادتها
برغم ما يحيق بها من مهالك ، وذكرهاتعبيرات من مثل " كالدمامل المتراكمة فوق
وجه الضمائر والإنسانية " ، وكذا ذكرها " كأنى فى كهف مظلم لا يربطنى
ببوصلة الروح . " الحاوية لمفردات الضمائر / الإنسانية / الروح .تدل أيضا على
روحانيتها المفعمة وإنسانيتها الفواحة وضميرها الناجز . مبادئ لم تغادرها كإنسانة
نقية و تتأسى على افتقداها فى العالم أجمع وتنادى باستعادتها كما يشى بذلك منطوق
النص فى معناه الواسع . نعم تنادى وتعمل على استعادتها فى عالمنا ؛ عالم الموت بما فيه من حزن وخوف وانكسار وضياع
وعجز ووجيعة ودفن للأحبة ( دعنا نخصصهم ونقول : الأحبة فى الإنسانية العريضة )
بقى أن نقول إن النص به تفلسف وفكر للمتمحص ، وبه تكثيف
ملفت ولن نحدثك عن بلاغياته فهى واضحة غير منكورة ويبقى سؤال بعد الذى عرضناه :
ترى إلى أى صنف تنتمى كابوسية بو مرعى ؛ أإلى كابوسية " كافكا أم إلى كابوسية
الإشراق ؟؟؟؟؟؟